إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن محاضرتنا في هذه الليلة ستكون في موضوع الدعوة إلى الله عز وجل.
أيها الإخوة: الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وظيفة الأنبياء والمرسلين، الدعوة إلى الله هي أشرف وظيفة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
ويدلك على حسن هذه الوظيفة قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] أمر الله عباده بالدعوة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، والأمر للرسول أمر للأمة فقال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] هذه الوظيفة التي لا خيار لنا فيها ولا بد من القيام بها، إذ القيام بها واجب تكليفي، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى أخبر عن وظيفة المؤمنين بقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب:39] وقد أخذ الله العهد على الأمم من قبلنا أن يبلغوا وأن يدعوا إلى الله فقال عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتبليغ: (بلغوا عني ولو آية) وقال: (نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
وعدم القيام بواجب الدعوة يعني السكوت عن نشر العلم وتبليغه للناس، وهذا التفريط يوقعنا في محظور عظيم، يقول صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً فكتمه ألجمه الله سبحانه وتعالى بلجام من نار).
والداعية إلى الله عز وجل ينطلق من سمو الهدف، وينطلق من عظم الأجر الوارد في حديثه صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) خير لك من الدنيا وما فيها.