لما أصيب سعد رضي الله عنه في يده قال ابن سعد رحمه الله في الطبقات الكبرى: أخبرنا وكيع بن الجراح، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: رمي سعد بن معاذ في أكحله فلم يرقأ الدم، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فحسمه، أي: كياً بالنار كوى له الجرح، فارتفع الدم إلى عضده، قال: فكان سعد يقول: [اللهم لا تمتني حتى تشفني من بني قريظة] قال: فنزلوا على حكمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (احكم فيهم، قال: إني أخشى يا رسول الله! ألا أصيب فيهم حكم الله) انظر تحرز سعد رضي الله عنه قال: يا رسول الله أنت تحكمني فيهم أنا أخشى ألا أصيب فيهم حكم الله، تورع، وليس كما هو حال المتفيقهة اليوم الذين لم ترسخ أقدامهم في العلم فإنهم يسارعون إلى الفتيا بغير دليل بغير سلطان بغير أثر من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يخشون الله تعالى فيما يصدرونه من فتاوي أو أحكام، فإن أخذ الدين يجب أن يكون عن الخبراء به، قال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان:59] {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7]، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (احكم فيهم) قال: فحكم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصبت فيهم حكم الله) ثم عاد الدم فلم يرقأ حتى مات رضي الله عنه.
وهناك رواية أخرى صحيحة عن رجل من الأنصار قال: (لما قضى سعد بن معاذ في بني قريظة رجع، فانفجرت يده دماً، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل في نفر معه، فدخل عليه فجعل رأسه في حجره، فقال: اللهم إن سعداً قد جاهد في سبيلك، وصدق رسلك، وقضى الذي عليه، فاقبل روحه بخير ما تقبلت به الأرواح).