وكان عليه الصلاة والسلام في صغره أيضاً قد رعى الغنم تهيئة للرعي الأكبر بعد ذلك، وتمهيداً لسياسة الرعية الأعظم، فهو تعلم في سياسة الغنم تمهيداً لسياسة الرعية الكبرى بعد ذلك، فقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) رواه البخاري.
فالنبي عليه الصلاة والسلام اشتغل وهو صغير، وأجر نفسه، وكان يأخذ قراريط من أهل مكة أجرةً مقابل أن يرعى أغنامهم.
ومن حديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ مر الظهران نجني الكباث فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه) وهذا النوع من الثمار لا يعرفه إلا من كان يرعى الغنم؛ لأنه من الأشياء التي تنبت في البراري وفي الأماكن التي ترعى فيها الأغنام، ولذلك قالوا له: (وكنت ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: نعم، وهل من نبي إلا رعاها؟!).
وهذا من إعداد الله للأنبياء، لأن سياسة الغنم ورعي الغنم تتطلب المحافظة عليها وصونها وحراستها عن الذئاب، وإيرادها المراعي الحسنة، والذي يتأمل يجد تشابهاً كبيراً بين رعي الغنم وسياسة الرعية يكون فيه إعداد الراعي في محافظته وحراسته، وجلب المنافع للغنم، وهذه تحتاج إلى علاج، وهذه تحلب، وهذه فيها جرب، وهذه عرجاء، وهذه ضعيفة وهزيلة، ولذلك رعاية الغنم فيها إعداد للاهتمام بالرعية والإشفاق على الرعية وحراستهم، وأن يأتي بالرعية إلى المكان الذي فيه فائدة لها، ويحرس الرعية عن كل ضار، وفيه تعليم وتحمل المسئولية.