قالت حليمة: فبينما هو يلعب خلف البيوت هو وأخوه من الرضاعة في بهمٍ له، النبي عليه الصلاة والسلام نشأ مع الغنم منذ صغره يلعب مع البهم، إذ أتى أخوه يشتد، جاءنا أخوه الذي كان يلعب معه، وأنا وأبوه في البدن؛ مع الجمال، فقال: إن أخي القرشي أتاه رجلان عليهما ثيابٌ بيض فأخذاه وأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه يشتد لإدراك الغلام الذي شق بطنه، فوجدناه قائماً قد امتقع لونه -تغير- فلما رآنا أجهش إلينا وبكى، قالت: فالتزمته أنا وأبوه، فضممناه إلينا، فقلنا: مالك بأبي أنت؟ فقال: أتاني رجلان وأضجعاني فشقا بطني وصنعا به شيئاً ثم رداه كما هو، فقال أبوه: والله ما أرى ابني إلا وقد أصيب، أي: حدث له شيء مكروه، الحقي بأهله فرديه إليهم قبل أن يظهر له ما نتخوف منه، قالت: فاحتملناه فقدمنا به على أمه، فلما رأتنا أنكرت شأننا، لأنهم ألحوا عليها وطلبوا منها في البداية ولما سمحت لهم يرجعون بعد ثلاثة أو أربعة أشهر بهذه السرعة وقالت: ما أرجعكما به قبل أن أسألكماه وقد كنتما حريصين على حبسه؟ فقلنا: لا شيء إلا أن قد قضى الله رضاعه وسرنا ما نراه، وكنا نئويه كما تحبون أحب إلينا، فما اقتنعت آمنة فقالت: إن لكما شأناً فأخبراني ما هو؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها، لما رأى الصبي الآخر من قدوم اثنين وشق صدره وبطنه وصنعا به شيئاً ورداه كما هو، فقالت: كلا والله، لا يصنع الله ذلك به، إن لابني شأناً أفلا أخبركما خبره؟ إني حملت به فوالله ما حملت حملاً قط كان أخف عليَّ منه، ولا أيسر منه، ثم أريت حين حملته أنه خرج مني نورٌ أضاء منه أعناق الإبل بـ بصرى -قصور بصرى البعيدة عن مكة - نور عظيم أضاء أعناق الإبل بـ بصرى، ثم وضعته حين وضعته فوالله ما وقع كما يقع الصبيان، لقد وقع معتمداً بيديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما، فقبضته وانطلقنا.
الحديث رواه ابن حبان والطبراني والبيهقي وأبو يعلى من طريق ابن إسحاق وقد صرح ابن إسحاق بالسماع في رواية السيرة، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه، ورجاله ثقات، ولكثير من مقاطع الحديث شواهد تقويها فلعله يكون حسناً بشواهده.
وأما حادثة شق الصدر فقد جاءت من أحاديث أخرى، ومن ذلك حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهمٍ لنا ولم نأخذ معنا زاداً، فقلت: يا أخي اذهب فائتنا بزادٍ من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم فأقبل طيران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماءٍ وثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد، فغسلا به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة، فذراها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه، فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة، فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفه، واجعل ألفاً من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي، أشفق أن يخر علي بعضهم -يعني هو رجح بهم وصاروا فوقه- فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركاني، وفرقت فرقاً شديداً، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيته، فأشفقت علي أن يكون ألبس بي -جن تلبس بي- قالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيراً لها فجعلتني أو فحملتني على الرحل وركبت خلفي، حتى بلغنا إلى أمي -التي هي آمنة - فقالت حليمة: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيته فلم يرعها ذلك، فقالت لي: رأيت خرج مني نورٌ أضاءت منه قصور الشام) الحديث رواه أحمد والحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير، والدارمي في المقدمة باب: كيف كان أول شأن النبي صلى الله عليه وسلم، جميعاً من طريق بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن ابن عمرو السلمي، وبقية صرح بالتحديث، وإذا روى عن بحير فهو معتدٌ به ومقبول وموثق، وقال الحاكم: حديثٌ صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع: إسناد أحمد حسن، والحديث لا زال له شواهد.
حادثة شق الصدر وقعت مرة أخرى في الإسراء والمعراج فكانت هذه من الصغر تمهيداً للرحلة السماوية، إعداداً أرضياً للرحلة السماوية، حادثة شق الصدر إذاً حدثت مرتين.
وهذا الحديثٌ رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإسراء، ورواه غيره أيضاً من حديث أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طستٍ من ذهب بماء زمزم، ثم لئمه -الخياطة وهذه هي العملية الجراحية القديمة- ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو ممتقع اللون، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره) الحديث رواه مسلم.
وهذا أيضاً يثبت قصة شق الصدر في صحيح مسلم والنبي عليه الصلاة والسلام صغير، ولما كان يلعب مع الغلمان حدث له حادثة شق الصدر، ولما كان قبل الإسراء والمعراج حدثت حادثة الشق الثانية.