Q هناك ظاهرة انتشرت في الشباب الملتزم وهي: كثرة الاختلاف في أمور بسيطة ينتج عنها الهجر بينهم، مثل عدم السلام عليه والطاعة إلخ، فهل هو من الشيطان؟
صلى الله عليه وسلم نعم غالباً ما يكون من الشيطان، مثلاً مسألة فقهية: النزول في الصلاة، أنزل على الركبتين أو على اليدين، أضع يدي بعد الرفع من الركوع على صدري أم أسبلهما ولا أضعهما على صدري، حديث التسليم في الواحدة صحيح وإلا ضعيف.
بعض الناس ما هو موقفه من هذه المسائل؟ يتناقشون، ويتبادلون الأدلة ووجهات النظر ويقلبونها، وهذا شيء طيب جداً وهذا أمر مطلوب، أعطيك قناعتي وتعطيني قناعتك، أناقشك في نقاط الضعف في رأيك، وتناقشني نقاط الضعف في رأيي، هذا شيء طيب جداً، هذا يزيد العلم ويوسع المدارك العلمية في أذهان الأشخاص المتناقشين، وهذه اسمها مباحثة علمية، وكانت المناظرات بين علمائنا معروفة وقديمة، ولكن المهم ماذا يحدث بعد المناقشة؟! إن كان الذي سيحدث هو تفرق واختلاف ومقاطعة ومعاداة ومباغضة يقول: هذا مخالف للسنة في الصلاة، هذه السنة وهذا يخالف، إذاً اخرج، ابتعد عني، أنا لا أكلمك، أنت مبتدع أنتَ أنتَ، والمسألة اجتهادية، وأنتم تعلمون القاعدة التي ذكرها علماؤنا ومنهم ابن القيم رحمه الله في: إعلام الموقعين، الخلاف المقبول: هو ما يكون في مسائل الاجتهاد.
القاعدة: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، ما هو مباحثة ومناقشة!! لا إنكار يعني: إنكار يفضي إلى استخدام القوة والعنف والشدة والتقاطع والتباغض، لا إنكار في مسائل الاجتهاد، أي: التي فيها مجال للخلاف داخل الدين، ليس الاختلاف فيها، ليست القضية أن هذه بدعة، والأخرى سنة، أو هذا حلال وهذا حرام، أو بشيء واضح من العقيدة الصحيحة، وشيء من العقيدة الباطلة، هذا الأمر لا يصح أن نقبل فيه الخلاف.
المسائل التي وضح فيها الحق ولا يتسع لها الخلاف في شريعتنا، لا يمكن أن يقبل فيها خلاف، لو جاءنا أحد الناس وقال: يا أخي الربا فيه خلاف، فيه وجه، أن البنك يأخذها ويشغلها ويمكن أن هذا ليس رباً، يمكن أنها أرباح، هذا كلام فارغ، هناك عقد متفق عليه، نسبة محددة ثابتة حتى لو تاجر فيها البنك في عشرين ومائة صفقة، هذه المسألة واضحة لا تقبل الخلاف، لا يمكن أقول: أنا وفلان سنجتمع معاً على قضية الربا، الربا هذه مسألة ثانوية، أو مثلاً نكاح المتعة ممكن مع أنه قد وضح له الحق وعرف الحق الطرف الآخر، وأصر على باطله، لا يمكن أقبله وأجتمع أنا وإياه في صفٍ واحد! أو واحد عنده عقيدة زائغة يقول مثلاً: يجوز البداء على الله، أي: الله عز وجل يبدو له أمر، ويغير رأيه، استغفر الله العظيم يا أخي! هكذا بعض الضلال وبعض الطوائف من الباطنية وغيرهم، يعتقدون هذه العقيدة في الله، لا يمكن أن أجتمع في صف واحد أنا وشخص يؤمن بمثل هذه العقيدة في ربي الذي أعبده، ولكن لو أن هناك علماء ثقاة لهم أدلتهم، قالوا: هذا الشيء مباح، وعلماء ثقاة لهم أدلتهم قالوا: هذا الشيء محرم، مسألة فيها مجال الاختلاف، أنا ما أنكر عليه، لكن أتباحث معه وأتناصح وهكذا.
فإذاً: لا نحول الأشياء التي اختلف فيها العلماء الثقات، ولكلٍ من الطرفين أدلة صحيحة، لا نحولها إلى معارك تشغلنا عن أشياء، وبنفس الوقت لا نميع القضايا العامة والخطوط العريضة في الشريعة والعقيدة، ونقول: لا يهم! هذه ممكن الاختلاف فيها، ولا داعي إلى الاشتغال الآن في قضايا الخلاف في الأسماء والصفات، وهذه أشياء تشغل المسلمين عن الماسونية والشيوعية.
صحيح نحن لا نصرف وقتنا كله لهذه القضايا، وهناك من الأشياء والأفكار العلمانية، ما ينبغي أن نشتغل به أولاً: قبل مواجهة أناس يقولون ببدع قد تكون قديمة موجودة.
والمسلم يصرف جهده في المواجهة والمحاربة وتكريس الجهود، ويظهرها أو يقدمها للمشكلة الكبرى، وللعدو الأكبر هذا صحيح، لكن هذا لا يعني أننا نميع بقية القضايا وننشغل عنها، أو نقول: هذه أشياء تافهة، نعطي كلاً بحسب وزنه.