لو تأملت -مثلاً- قول الله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وتتأمل كيف قدم هذه الكلمة: (إياك) على قوله: (نعبد) مع أن الأصل في اللغة أن تقول: نعبد إياك، فتأتي بالفعل ثم تأتي بالفاعل والمفعول، لكنه قدم المفعول أولاً، فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] ولم يقل: نعبد إياك؟ ففي هذا دلالة على تخصيص الله بالعبودية، أليس هذا التقديم والتأخير يجب أن يكون مساراً للانتباه؟! ويجب أن يكون آخذاً باللب حتى يستشعر المسلم ما معنى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5]؟ ما هو الاختصاص الحاصل في هذه الآية؟ لماذا يجب أن يختص الله في العبادة وبالاستعانة، فلا نعبد إلا الله ولا نستعين إلا بالله؟ تأمل كيف ينشئ القرآن هذا التصور العظيم للعبادة التي من أعظم معالمها الإخلاص {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] ولا نعبد أحداً معه سواك لا مالاً ولا جاهاً ولا منصباً ولا قانوناً وضعياً ولا آراءً بشرية، لا نعبد إلا الله سبحانه وتعالى، ولا نرضخ إلا له، ولا نذل إلا له، ولا نستعين إلا به لا بقوى شرقية ولا غربية، ولا شمالية ولا جنوبية، وإنما فقط إياك نستعين.