أحياناً: يكون سبب التنافر غير شرعي أيضاً، مثل أن يقول: إن فلاناً منظره ليس جميلاً، أو أن هندامه ليس أنيقاً، أو أن مركبه ليس وثيراً، وهكذا، فيحدث نوع من التباعد، وخصوصاً عندما يكون الإنسان من طبقة اجتماعية معينة فيها غنى أو ثراء، فتراه يحس أن الذين دونه في الطبقة الاجتماعية، ودونه في الغنى والثراء بعيدون عنه، وأن هؤلاء تحته بمنازل، كيف يمكن أن تحدث الأخوة في الله بين الذي ينظر هذه النظرة المادية؟ ولذلك ترى بعض الناس يتقاربون ممن هم في طبقتهم الاجتماعية، أو مثلهم في الغنى والثراء تقارباً زائفاً قد يبدو في الظاهر أنهم إخوة في الله وليسوا كذلك.
فهذا أيضاً من الأشياء التي يجب أن تعالج في النفس، ومجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم من عظمته أنك تجد فيه أثرى الناس وأفقر الناس يجتمعون مع بعضهم البعض، يقاتلون صفاً واحداً، ويحضرون مجالس العلم المختلفة، لا يأنف عبد الرحمن بن عوف أن يجلس بجانب بلال وهكذا.
لكن في مجتمعاتنا قد يحدث هذا، وقد يرى بعض المتفوقين دراسياً أنهم أرقى عقولاً أو أذهاناً أو قوةً في التفكير من أناسٍ آخرين من البسطاء المتخلفين في الدراسة، فيجد في نفسه أن يمشي مع هذا الشخص!! لابد أن يمشي مع أشخاص متفوقين دراسياً، ولذلك يبتعد عن الضعفاء، والرسول صلى الله عليه وسلم بين كما ورد في صحيح البخاري: (ابغوني الضعفاء؛ إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم).
أحياناً: في بعض الأنشطة الإسلامية بعض الشباب يحتقر ناساً من البسطاء الموجودين في هذا النشاط، وقد يكون هؤلاء البسطاء هم من الأسباب الكبيرة في توفيق الله لهذا النشاط الإسلامي، لأن الله مع الضعيف، لماذا يستجاب دعاء المظلوم؟ لماذا يستجاب دعاء المسافر؟ لماذا يستجاب دعاء المريض؟ لأن الذي يجمعهم هو الضعف الذي يحصل لهم بسبب وجودهم في هذه الحالات التي سببت ضعفهم، المسافر بسبب غربة ومشاق السفر يصبح ضعيفاً فيه ذلة، المريض أيضاً فقد صحته، وهو يرى الأصحاء ففيه نوع من الذلة والمسكنة، المظلوم مقهورٌ مغلوب وفيه نوعٌ من الذلة والمسكنة، ولذلك يستجاب لهم، كما بين ابن القيم رحمه الله في تحليلٍ رائع في مدارج السالكين لهذه النقطة.
فإذاً تنافر بعض الشباب عن البعض بسبب تفوقهم في بعض النقاط المادية، سبب ليس بشرعي للتنافر، ولا للإعراض ولا للهجران، ويجب أن تتلمس هذه الأسباب في النفوس، وكل واحد منا مسئولٌ عن النزعات التي تقوم بنفسه.