وهذا القرآن العظيم فيه دستور للأخلاق، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ذكر كثير للأخلاق الحسنة، والتحذير من الأخلاق السيئة، وعلماؤنا قد اهتموا بهذا الموضوع اهتماماً كبيراً، لذلك تجدهم قد أفردوا الأخلاق بمؤلفات مثل كتاب: مكارم الأخلاق لـ ابن أبي الدنيا، ومساوئ الأخلاق للخرائطي، ولا تكاد تجد مصنفاً في الحديث إلا وتجد فيه من أبواب الأدب: الأخلاق والبر والصلة، وأفرد البيهقي رحمه الله الآداب بكتاب مستقل وغيره، وألف ابن عبد القوي منظومة الآداب وشرحها السفاريني في كتابه العظيم: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، وتجد كتباً مستقلة في بيان شمائله صلى الله عليه وسلم، ككتاب الشمائل المحمدية للترمذي، والشمائل المحمدية لابن كثير، وكتاب أخلاق النبي لـ أبي الشيخ، وخصص ابن القيم رحمه الله جزءاً من كتابه زاد المعاد لبيان أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وتجد الأحاديث فيها ذكر حسن الخلق والحض عليه والحث، قال صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق) ما هو البر؟ تعريف البر: البر حسن الخلق، وقال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) وقال: (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم) وقال: (إن الناس لم يعطوا شيئاً خيراً من خلق حسن) وقال: (عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما) وقال: (ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن) وقال عليه الصلاة والسلام: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً الموطئون أكنافاً) الكنف هو الجانب، والمقصود: أن من يصاحبهم لا يناله منهم أذى، (الذين يألفون ويؤلفون) يحبون ويأنسون، (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) وقال: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) (إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقاً، الثرثارون المتفيهقون - أي: المتكبرون- المتشدقون - الذي يكثر الكلام من غير احتراز-)، وقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) وقال: (خيركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا) وقال: (خير الناس ذو القلب المخموم، واللسان الصادق، قيل: ما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد، قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قيل: فمن على أثره؟ قال: مؤمن في خلق حسن).
والله يحب مكارم الأخلاق ويكره الأخلاق السيئة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) وقال: (إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها).
وجاءت أحاديثه عليه الصلاة والسلام بجملة من الأخلاق الحسنة، انظر إليه عليه الصلاة والسلام واستمع لقوله وهو يقول: (صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك)، (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت) وقال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء) حديث صحيح.
وقال: (من كان سهلاً ليناً حرمه الله على النار) وقال: (المؤمنون هينون لينون كالجمل الألف الذلول -الذي يقاد بسهولة- إن قيد انقاد، وإذا أنيخ على صخرة استناخ) وقال: (من كف غضبه ستر الله عورته).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم مبيناً ومؤكداً على أخلاق معينة يركز عليها في حديثه: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) وقال: (التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة) وقال: (التؤدة والاقتصاد والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة) وقال: (التأني من الله والعجلة من الشيطان) وهذا تركيز على خلق التأني.
وفي أحاديث أخرى يركز على الحياء، فيقول: (إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء) (استحيوا من الله حق الحياء) ويقول لأحد الصحابة: (أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) وقال: (الحياء خير كله، الحياء من الإيمان) وقال: (الحياء لا يأتي إلا بخير).
ويركز على خلق ثالث وهو الرفق فيقول: (إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) وقال: (عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) وقال: (عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش) وقال: (ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم) وقال: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله).
وهناك أخلاق مذمومة نهى عنها وحذر منها، فقد جاء في الحديث الصحيح: (كان أبغض الخلق إليه الكذب) رواه البيهقي وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وقال عليه الصلاة والسلام في ذم خلق آخر: (يا عائشة! إن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم) ليس الدافع لإكرامهم إلا أن الإنسان يريد أن يتقي شرهم.
وهذا الخلق له أهمية في الأخلاق الاجتماعية، وفي العلاقات الزوجية، وفي تعاملات الناس، وفي كل شيء، حتى إنه عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاثة يدعون الله عز وجل فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها) قيل في هؤلاء الثلاثة: لا يستجاب دعاؤهم في خصومهم، وليس المعنى: أنه لا يستجاب دعاؤهم على الإطلاق، وهذا الحديث لا يعني -أيضاً- أنه إذا كانت المفاسد في الطلاق أكثر أنه يطلق، ولكن المرأة إذا ساء خلقها جداً فإن المصلحة في تطليقها؛ لأنها نكد، ولذلك لما جاء إبراهيم عليه السلام إلى بيت ابنه ولم يكن إسماعيل موجودا، ً طرق الباب فخرجت زوجته فسألها عن إسماعيل فقالت: خرج، فقال: كيف عيشكم؟ قالت: نحن بشر وضيق وذمت في عيشها، هذا لمن؟ لرجل غريب لا تدري من هو ذمت زوجها وحياتها معه، فعلم أنها امرأة سوء، فقال لها أن تقول لزوجها إذا رجع: أن يغير عتبة بابه، فعلم إسماعيل أن أباه يوصيه بتغيير هذه الزوجة.
وفي المقابل أن من الصفات التي تشترط للموافقة على الزوج أن يكون حسن الخلق، ولذلك يقول في الحديث الصحيح: (من أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) فخص الخلق حتى لا يتعب زوجته بعدما يتزوجها.
أما الأخلاق فهي سجايا وطبائع في النفس، هذه الأخلاق الحسنة عرفها العلماء فقالوا: بذل الندى، وكف الأذى، واحتمال الأذية، وقالوا: بذل الجميل وكف القبيح، وقالوا: التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل.