الطبيب داعية إلى الله

والطبيب المسلم أيضاً يراعي الله سبحانه وتعالى، فمن وظيفة الطبيب المسلم أنه داعية إلى الله عز وجل، وليس طبيباً فقط، فالطبيب الداعية يعلم الناس الخير، ومن الناس المرضى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته، وحتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير).

فالطبيب يعلم المريض أولاً أن الشفاء من الله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] وأن الله هو الطبيب كما جاء في الحديث الصحيح، ولا يلتفت إلى دعاوى العلمانيين الذين يقولون: إن تعليمك للمريض أمور الدين هو استغلال للمريض في مرضه لطرح آرائك الشخصية، نقول: هذه ليست آراء شخصية، هذا دين يجب تبليغه على الطبيب المسلم قبل أن يكون طبيباً.

ويعلم المريض كذلك عدم الشكاية، لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم السائب قال: (ما لك تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) رواه مسلم.

فيعلمه عدم لعن المرض أو سب الحمى.

ويعلمه كذلك الرضى بالقضاء والقدر (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء؛ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

الطبيب داعية إلى الله يعلم المريض عدم تمني الموت؛ لأن المريض تحت وطأة الألم قد يتمنى الموت ويدعو به، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يتمنين أحدكم الموت، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً) حديث صحيح، وفي الحديث الآخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).

والطبيب الداعية يعلم المريض ما يحتاج من الأحكام الشرعية، فيبين له من أحكام الطهارة واستقبال القبلة والصلاة، ويعطيه من فتاوى العلماء ما يبين له طريق العبادة، يعينه على التيمم بالتراب؛ إذا لم يوجد الماء، ويعينه على الوضوء والقيام بذلك، وكثيرٌ من المرضى الجهال يتركون الصلاة أثناء مرضهم، فالطبيب يعلم المريض أنه يجب أن يصلي على حسب حاله، ويوجهه للقبلة إن أمكن ذلك، وإذا سألت وقلت: كيف يتوجه المريض إلى القبلة وهو على فراشه؟ فنقول: يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه إلى القبلة، بحيث لو أوقف لصار متوجهاً للقبلة، هذه طريقة استقبال القبلة للمريض على فراشه، ويأمره بالصلاة في أوقاتها ويذكره بذلك؛ لأن المريض قد تنسيه آلام المرض الصلاة، بل يوقظه للصلاة، وكثير من الأطباء لا يبالون بنوم المريض، حتى لو لم يكن لحاجة وضرورة؛ فإنهم يتركون المرضى ينامون عن الصلوات وعن صلاة الفجر، مع أن بعض المرضى يمكن أن يقوم للصلاة ومرضه ليس بذاك الذي يجعله ينام عن الصلاة.

وهو يعلمه كذلك الترتيب في قضاء الصلوات.

ويعلمه أن إزالة النجاسة من الثياب بقدر الاستطاعة، فإن لم يكن ممكناً صلى ولو كان في ثوبه نجاسة وعليه آثار الدماء.

وكذلك يعلمه أن من أغمي عليه لأيام طويلة؛ فإن الصلاة تسقط عنه.

ويعلمه أنه لو لم يتمكن من الصلاة بالوضوء أو التيمم؛ فإنه يصلي بغير وضوء ولا تيمم، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].

وكذلك فإن الطبيب الداعية إذا أتاه كافرٌ يعالجه؛ فإنه يدعوه إلى الإسلام، وبالذات إذا حضرت الكافر الوفاة كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان غلامٌ يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال: أسلم، فنظر الغلام اليهودي إلى أبيه وهو عنده، فقال له الأب: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).

والطبيب الداعية لا يفصل بين أمور المهنة وواجبات الدين، فهو مسلم قبل أن يكون طبيباً، وإذا كان أصحاب الجمعيات التبشيرية كـ منظمة أطباء بلا حدود وغيرها، يعطون المسلمين الدواء بيد والصليب باليد الأخرى، ويعطونهم مع إبرة تخفيف الألم تأليه يسوع وهم كفار على الباطل، أفلا يكون هذا دافعاً للطبيب المسلم وهو على دين الحق أن يبلغ دين الله سبحانه وتعالى؟ الطبيب الداعية يتخذ المواقف الصحيحة عندما تأتي حالات تكشف عن جرائم أو فواحش، فإذا كانت القضية الشرع فيها أن يستر؛ ستر ولم ينتهك أو يفشي أسراراً أو يشهر، وإذا كانت القضية لابد من تبليغها إلى الجهات المسئولة لأخذ الحق الشرعي وإقامة القضية والدعوى في المحكمة؛ فلابد أن يبين، وفي بعض الحالات يطلع الطبيب على أشياء لابد فيها من تنبيه الزوج على أمور تتعلق بزوجته، فهنا يستخدم الحكمة والكلمات المناسبة في ذلك، ويفرق بين ما إذا كان هذا الذي أمامه تائباً أو مصراً غير مبالٍ بالمعصية.

وكذلك من ضمن هذه الأشياء التي ينبغي أن يكون عنده حكمة فيها هذه الحالة: رجل عقيم قام بالتحليل؛ فلم يوجد في مائه حيوانات منوية على الإطلاق، ثم رجع وأخبر الطبيب أن زوجته حامل، وطلب إعادة التحليل، فخرجت نفس النتيجة السابقة وتأكد الطبيب، هل يخبر الطبيب الرجل أم لا؟ سبق أن ذكرنا أنه لابد للطبيب أن يتفقه في دين الله، وأن يرجع إلى أهل العلم والذكر ليسألهم، فهذه حالة من الحالات لابد من الرجوع مثلاً إلى أهل الذكر وسؤالهم، فيقال: إن التحليل يثبت أنه لا يوجد هناك أي احتمال لأن يلقح هذا الرجل وزوجته حامل، فهل يخبر أو لا يخبر؟ أما الدليل الشرعي فيقول: الولد للفراش، ولم أضرب هذا المثال لذات المثال، بل لأقول وأبين وأنبه وأؤكد على أهمية الرجوع إلى أهل العلم في مثل هذه القضايا، وكثير من قضايا الطب من النوازل التي ينبغي البحث فيها ليس لعالم وإنما لمجموعة علماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015