تقوى الطبيب لله سبحانه وتعالى

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه فرصة طيبة أن نلتقي في هذا المكان وفي هذا المستشفى لنتحدث عن بعض المسائل التي تهم الطبيب المسلم، هذه الثغرة في المجتمع التي سدها تتطلب إيماناً بالله واحتساباً للأجر، وعلماً شرعياً ودعوةً إلى الله سبحانه وتعالى، وتذكراً وتذكيراً، فالطبيب المسلم صاحب رسالة، ولما ميزناه بقولنا: المسلم؛ علمنا بأنه صاحب رسالة شرعية إسلامية قبل أن تكون مهمةً طبية أو علاجية ونحو ذلك، وقد سبق أن تحدثنا في محاضرة سابقة بعنوان (رسالة إلى الطبيب المسلم) عن بعض الأمور المتعلقة بالطب والأطباء، ونستكمل إن شاء الله الكلام عن بعض هذه الأمور التي تهم الأطباء والطبيبات، وقد ذكرنا في المحاضرة الماضية أموراً منها: أن الطبيب ينبغي أن يتقي الله سبحانه وتعالى في عمله، وتقوى الله عز وجل هي الضمان لعدم انحراف الطبيب عن مهمته، والله عز وجل قد كرر الأمر بالتقوى في آيات كثيرة وهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تدفع الطبيب إلى عدم ممارسة الطب وهو لا يتقنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تطبب ولم يعلم منه طب؛ فهو ضامن) وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب يتقن عمله، ولا يقدم وصفةً أو علاجاً إلا وهو متأكدٌ منها، وتقواه تمنعه من أن يجعل نفسه متاجراً مع شركات الأدوية لتجريب الأدوية في مرضى دول العالم الثالث كما يقولون.

وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم لا ينظر إلى المرأة الأجنبية أكثر من نظر الفجأة، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك في حالات الكشف الطبي والعلاج؛ إذا لم يتيسر من يقوم بذلك من النساء، والله عز وجل قد قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30].

وقد ذكر العلماء ترتيباً معيناً للمرأة المسلمة إذا أرادت أن تتطبب، فقالوا: تقدم الطبيبة المسلمة ثم الطبيبة الكتابية فالكافرة ثم الطبيب المسلم ثم الطبيب الكافر، والطبيب المسلم لا يكشف إلا ما تدعو الحاجة إلى كشفه في عورات النساء والرجال، وإذا كشف على امرأة للضرورة فبحضرة محرمها من الزوج أو غيره، وإذا احتاج ولم يوجد؛ فلا يجوز أن يكشف بخلوة إطلاقاً، بل لا يجوز أن يخلو بها حتى لو كان بغير كشف.

تقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم يحس بالحرج، وهو يأمر بالكشف أو يغض بصره، وليس يتقدم دون حياء ولا خجل طالباً من المريض الكشف وبسرعة، والطبيب المسلم عند فحص مواضع الضرورة من قبل المرأة لمريض من الرجال، أو الرجل لمريضة من النساء؛ فإن أمكن الفحص بالوصف فقط؛ فلا يجوز النظر ولا اللمس، وإذا كان يكفي النظر فلا يجوز اللمس، وإذا كان لابد من اللمس؛ فمن وراء حائل، ولو فرضنا أنه لابد أن يكشف عن الموضع من غير حائل، فإنه لابد أن يقدر الضرورة بقدرها، فلا يتعدى المكان ولا الوقت اللازمين للفحص، ولا يدعها تكشف أمامه حتى تصل إلى مكان المرض، بل تكشف من وراء الستارة حتى تصبح جاهزة للكشف على موضع الضرورة، وهناك أمورٌ لا يصح مطلقاً -يتنافى مع التقوى تماماً- كشفها، مثلما يحدث من التساهل في فحص المرأة لحالة فتاق عند الرجل بموضع العورة المغلظة مثلاً.

وهناك كثيرٌ من الحالات التي لا يعتبر الإسلام مسئولاً نهائياً أبداً عن حدوثها؛ لأنها وجدت في حال انحراف، فلابد من تصحيح الأصل، وليس أن نقول: وقعنا في ورطة ونحن في ضرورة، نقول: من قواعد الضرورة أنه يجب السعي إلى إزالتها، وليس أن نبقى باستمرار في حالة ضرورة، وفحص المرأة المتدربة للمرأة المريضة أهون من فحص المرأة المتدربة لرجل مريض، ولذلك نقول ونوصي دائماً: إنه في حالة التدريس؛ يجب السعي باستمرار إلى حصول الفصل التام ما أمكن ذلك بين الرجال والنساء، وينبغي السعي لإيجاد التخصص في علاج النساء من قبل النساء وعلاج الرجال من قبل الرجال، وحالات الضرورة التي تستدعي تدخل الاستشاري مثلاً أو غيره لها أحكامها.

ومن الأمور التي تجعل الطبيب المسلم لا يتعدى الضرورة، فيصحب بالقفاز مثلاً إذا لم توجد الحاجة للفحص باليد مباشرةً لاشك أن هذا منبعه تقوى الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإننا نشعر بالعار عندما نسمع عن امرأة تُلزم أو طبيب رجل يُلزم طالبات الطب بالكشف على رجل، في أمور يستطيع أن يفعلها رجل آخر، كأخذ درجة الحرارة ونبض القلب ونحو ذلك، مع أن بإمكان المرأة أن تتدرب على امرأة وليس على رجل أجنبي.

وهنا يطالعنا بعض الناس في قضية الامتحانات وهل تعتبر ضرورة أم لا؟ فنقول: إن بعض العلماء يرى أنها لا تعتبر ضرورة مطلقاً، وأن المرأة إذا لم تجد امرأة في المستقبل تتعالج عندها، فإنها تتعالج عند رجل للضرورة، فلا الرجل يأثم ولا المرأة تأثم، وكذلك إذا قلنا: إن المرأة تكشف على المرأة وتتدرب عليها؛ سداً للحاجة في المستقبل للرجال؛ فإن هذا أمرٌ وجيه وحسن نستبدل به حالات كثيرة من كشف الرجال على النساء، ولا أقول جميع الحالات؛ لأن الواقع يثبت أن هناك حالات تستدعي تدخل الرجل ونقول: هذه الضرورة والضرورة تقدر بقدرها، على أن بعض أهل العلم يرى أنه في حال الامتحانات إذا اضطرت المرأة أن تكشف على رجل؛ فإنها تكشف بالنظر دون اللمس، وأضافوا قيداً آخر وهو أمن ثوران الشهوة من الفاحص والمفحوص، وهذه مسألة تدرس بالممارسة.

ولكننا نعيد الكرة لنقول: لماذا تجعل المرأة المسلمة في حالة حرج عندما تجبر على الكشف على الرجال؟ وما هي الضرورة لاختلاط الطبيبات بالأطباء؟ أو قل طالبات الطب بالطلاب في التدريب العملي إذا أمكن أن يجعل لكل منهم قسم مستقل، والواقع يشهد بأن هناك مفاسد وعلاقات محرمة نشأت بين الطالبات والطلاب، وضبطت أوضاع محرمة بسبب الاختلاط، بل إن بعض طالبات الطب ممن لا يخفن الله تنشأ لهن علاقة خاصة مع بعض الدكاترة مع كثرة المحادثة التي تكون تحت ستار أخذ المعلومات، واختلاط بعض الدارسات مع الدكاترة في أوقات خارج التدريب العملي بزعمها الاستزادة من العلم ونحو ذلك، أو لكي يعرف أنها مهتمة، وأنها تسأل شفوياً بدل أن تتصل بالهاتف، كل هذه المبررات التي تؤدي إلى مفاسد شرعية واضحة، ولو اضطرت الأحوال إلى أن يكون الذكور والإناث في مكان واحد، فلا أقل من أن تكون النساء خلف الرجال مع غاية النقاب والحشمة، وأن يراعي هذا الطبيب أو المتخصص الذي يدرس وجود المرأة في الفصل، فلا يأتي بحالات فيها صور انتصاب ونحوها مما يخدش الحياء ويعرضه على مسامع ومرأى من النساء الموجودات في الفصول الدراسية، وبعض الأحوال التي حدثت تثبت أن الفصل بين النساء والرجال ممكن، لكن الذي يحول بين هذا وحدوثه وجود رجل لا يخاف الله، كمسئول عن الصالات من النصارى ونحوهم من الذين لا يهمهم إحداث الفصل بين النساء والرجال.

وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم لا يخلو بالمرأة أبداً، ولا يقال إن وجود عين سحرية من الخارج يزيل الخلوة، أو أن الباب المفتوح يزيل الخلوة، وهو يجلس في زاوية الغرفة والممر خالٍ والغرفة نائية، بل ينبغي إذا حدثت الحاجة لهذا ولم يوجد شخص ثالث في الغرفة؛ أن يكون الوضع أمام المارين، وإذا كانت الغرفة زجاجية؛ فيكون الزجاج من الأعلى إلى الأسفل بحيث يكون الأمر لا يخفى مطلقاً، ولا يقال أيضاً بالاكتفاء بالكاميرات الإلكترونية للمراقبة، فإنها قد تتعطل لأي سبب، أو لا يكون المراقب حاضراً لأي سبب، أو يكون فاسقاً يريد نشر الفاحشة في الذين آمنوا.

وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطبيب المسلم لا يخلو بالمرأة الأجنبية ولو كان لدقائق أو دقيقة أو ثوانٍ في مصعد المستشفى، وهناك حالات تحدث أحياناً، أنه يدخل مجموعة في مقعد ثم يخرج مجموعة في أحد الطوابق فلا يبقى إلا رجل وامرأة في مقعد، وهنا تقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تدفع الرجل للخروج من المصعد؛ حتى لا يخلو بالمرأة في هذا الوقت الباقي، ثم يواصل الصعود بعد ذلك.

وبعض الناس يظن أن مس يد المرأة الأجنبية من وراء حائل جائز بإطلاق، وهذا لا يجوز بل الأصل أنه حرام، ولا يجوز إلا للضرورة، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي التي تجعل الطالبة المسلمة إذا كانت دراستها تفرض عليها ترك الحجاب أن تقدم الدين والحجاب ولاشك في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015