وبالنسبة للكرامات التي قد تقطع لبعض أولياء الله تعالى في الدنيا، فإنه لا بد من الحديث عنها؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يفرق بينما يقع من الخوارق على يد الساحر والكاهن والدجال، وبينما يقع من هذه الخوارق على يدي أولياء الله تعالى.
والكرامة يعرفها أهل السنة: بأنها أمر خارق للعادة، يظهره الله عز وجل على أيدي أوليائه، ليست مقرونة بدعوى النبوة، وهي ولا شك خارقة للعادة، وقد ذهب فيها الناس إلى ثلاثة مذاهب: فمنهم من أجاز وقوعها بدون حد، حتى قال قائلهم: كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي.
وهذا مذهب الأشاعرة وغيرهم، وهذا مذهب باطل، إذ كيف تستوي معجزات الأنبياء مع كرامات الأولياء، ومعلوم أن الأنبياء أفضل وأعلى وأزكى وأرفع عند الله تعالى، ثم إن النبي يحتاج للمعجزة لأجل إظهار الحق وإثباته للكفرة والمعاندين.
ومن الناس من ذهب إلى إنكار الكرامات بالكلية.
وهذا مذهب المعتزلة وآخرين وافقوهم، ولا شك أن هؤلاء الذين احتكموا إلى عقولهم وأنكروا الكرامات، لا شك أنهم من المصادمين لمذهب أهل السنة وهو القول الثالث الوسط، وهو إثبات وقوع الكرامات للصالحين وجواز وقوعها، لكنها لا تصل إلى درجة معجزة الأنبياء.
قال ابن تيمية رحمه الله: ومع هذا فالأولياء دون الأنبياء والمرسلين، فلا تبلغ كرامات أحد قط إلى مثل معجزات المرسلين، كما أنهم لا يبلغون في الفضيلة والثواب إلى درجاتهم.
وقال رحمه الله: فإن آيات الأنبياء التي دلت على نبوتهم أعلى مما يشتركون فيه هم وأتباعهم، مثل: الإتيان بالقرآن، ومثل: إخراج الناقة من الأرض، ومثل: قلب العصا حية، وشق البحر، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.
فالخلاصة: إثبات كرامات الأولياء وجواز وقوعها، ولكنها لا تصل إلى درجة معجزات الأنبياء.
ولا يعني إثبات الكرامات المبالغة في قبولها والأخذ بها من كل طريق أتت، أو إثباتها للفسقة والمجرمين، ولذلك فلا بد أن نعرف من هم الأشخاص الذين تظهر على أيديهم الخوارق، ومتى تسمى كرامات ومتى لا تسمى، فلا بد من ملاحظة عدة أمور بالنسبة لكرامات الأولياء؛ لأنه ليس كل من ظهر على يده فعل عجيب يدل على أنه ولي.
فإذاً الأولياء الذين قد يجري الله على أيديهم بعض الكرامات؛ هم أناس صالحون ملتزمون بالشريعة ظاهراً وباطناً، آمنوا بالله عز وجل وبما أمرهم أن يؤمنوا به، ولا يدعون لأنفسهم مكانة زائدة على أفراد الأمة، ولا يزكون أنفسهم، فلا يقولون: نحن أفضل الناس، ونحو ذلك، وهؤلاء يخفون الكرامات ولا يظهرونها ولا يقولون للناس: حصلت على أيدينا كذا، وحصل على أيدينا كذا، ولا يتفاخرون بها.
ومن الناس من يظهر على أيديهم أشياء من العجائب، لكنهم قوم فسقة استخدموا الشياطين واستخدمتهم الشياطين، إما عن طريق السحر أو غير ذلك، ولذلك فإن الله عز وجل عندما وصف المؤمنين بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] لا شك أن هؤلاء لا يدخل فيهم السحرة، ولا الكهنة، ولا الكفرة، ولا المشعوذون ولا المشركون، لا يدخلون في المؤمنين ولا في الولاية، ولذلك فإن أهل العلم بينوا أنه ليس كل من طار في الهواء أو مشى على الماء يكون ولياً من أولياء الله تعالى، وبعض الصوفية -كما تقدم- ادعوا الكرامات، وألصقوا بأنفسهم أشياء كثيرة من هذا المقام، وكان بعضهم يقول: إن طائراً يحملني في كل ليلة ويدخلني الجنة، ومنهم من كان يدعي علم الغيب، ومنهم من يدعي أنه يذهب ويطوف بالكعبة ويرجع في ليلته، ومنهم من يدعي أنه سقطت عنه التكاليف، ومنهم من يأتي المزابل والنجاسات ويتمرغ بها، ويدعي أشياء من الأحكام الخاصة لنفسه، وقد زعموا للخضر أشياء كثيرة في مقابلاتهم له، وفي عصرنا بالغ بعض الناس الذين لا يحسنون معرفة الأسانيد ولا نقل الأخبار الصحيحة في إثبات قصص في بعض ميادين الجهاد للشهداء ليست بصحيحة بسبب اندفاعهم العاطفي، وعدم معرفتهم لمبدأ التثبت ونقل الأخبار، والتصديق بالشائعات والزيادة عليها، ولا ينكر أن لبعض الشهداء كرامات عند الله ولا شك، وأن بعض الشهداء من أولياء الله تعالى، ولكن فرق بين إمكان حصول شيء وبين وقوعه فعلاً.
وكذلك فإنه لا بد أن يعاد القول في ضوابط الكرامات