الأولى: المتقربون إلى الله بأداء الفرائض، وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين، ولا شك أن أداء الفرائض أفضل الأعمال عند الله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [أفضل الأعمال أداء ما افترضه الله، والورع عما حرم الله، وصدق النية فيما عند الله عز وجل].
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: [أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم، وذلك لأن الله عز وجل إنما افترض على عباده هذه الفرائض ليقربهم منه، ويوجب لهم رضوانه ورحمته].
ولا شك أن هذه الفرائض أنواع، فمنها بدني كالصلاة: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، (وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، (إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت).
وكذلك عدل الراعي في الرعية، سواء كانت رعية عامة أو خاصة، ومنها الرعية الخاصة: عدل آحاد الناس في أهله وولده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) والعدل بين الأولاد، وكان السلف يحرصون عليه حتى في القُبَل، إذا قبل هذا الولد يقبل الآخر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين سبحانه وتعالى) فأيدي البشر تتفاوت بالقوة والعطاء، وتجد أن كثيراً من الناس يمينهم أقوى من شمالهم، وبعضهم شماله أقوى من يمينه، ويعطي بيمينه، والله تعالى كلتا يديه في القوة سواء، وهما سواء في العطاء، والخير كله في يديه، سحاء الليل والنهار؛ والسحاء هو المهطال الذي يهطل ويتواصل في النزول والانصباب، يعطي سبحانه وتعالى، يعطي والخير في يديه، ومنذ أن خلق السموات والأرض وهو ينفق على عباده، منذ أن خلق العباد ينفق عليهم، ومع ذلك لم ينفذ مما عنده شيء، لأن خزائن السموات والأرض بيديه، إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له: كن، فيكون، هؤلاء المقسطون عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم بين أهليهم وما ولوا من أنواع الولايات؛ سواء كان في وظيفة، أو كان في أسرة، أو كان في تجارة، فإنه إذا تولى ولاية صار هناك أناس تحته يعدل بينهم، فاتصف بصفة من صفات أولياء الله تعالى.