الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: نسأل الله تعالى أن يجعل لقاءنا لقاءً نافعاً، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
محاضرة هذه الليلة عن أمور متنوعة من المناسبات والأوقات التي يواجهها المرء المسلم في حياته، ويريد أن يعرف لها جواباً، وكيف يتصرف فيها، فيمكن أن نسمي محاضرتنا هذه بعنوان: ماذا تفعل في الحالات الآتية؟ وأمهد لهذا العنوان بمقدمة من الأمور الدنيوية ولعلكم لا تعجلون عليًّ أو تستغربون من إيراد بعض هذه الأشياء، لكن نريد أن نوضح شيئاً من المقصود، وفيها فائدة أيضاً.
أهل الدنيا في الأمور الدنيوية يجيدون كثيراً ويستعدون، ويأخذون الحيطة ويتأهبون لكافة الطوارئ والحوادث، ونحن المسلمون بطبيعة الحال نأخذ الحكمة أنَّى وجدت، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم يهتمون بدنياهم فقط ونحن نهتم بدنيانا وبآخرتنا، وإذا نظرت إلى الحالات الطارئة التي يمكن أن تحدث عند الذين قد تمرسوا بأمور الدنيا، ولنأخذ مثالاً على ذلك: الحالات الطارئة في الإسعافات الأولية ونحوها؛ فإنك ستجد أموراً كثيرة، كل مناسبة وكل حادثة فيها تفصيل وتأصيل وطريقة معينة ووسائل وخطوات تتبع، يحرصون عليها حرصاً كبيراً، فمن ذلك مثلاً: لو أصيب شخص؛ فإنهم يتكلمون عن أسلوب سحب المصاب بواسطة رجل أو اثنين أو ثلاثة بواسطة الكرسي أو النقالة أو البطانية ونحو ذلك.
وإذا أصيب بنزيف ظاهري يتكلمون عن أهمية وقف النزيف وسد الجرح، وإذا وجد في حالة إغماء وفي فمه قيء، فيقولون لك: اخفض رأس المصاب، وأدر رأسه يميناً أو يساراً؛ حتى لا تترك للقيء فرصة للدخول في المسالك الهوائية، وتجنب لمس الحرق بأصابع اليد العارية، وتجنب إدخال أمعاء المصاب أو أحشائه داخل البطن إذا كانت بارزة للخارج.
وإذا جئت إلى قضية الحريق والحرائق فإنهم يقولون لك: ينبغي على الأسرة أن تتدرب على حالة إخلاء البيت، وإن الإطفائيين كثيراً ما يعثرون على ضحايا أكثرهم من الأطفال رابضين تحت الأسرة أو تحت الخزائن أو وراء الأبواب المقفلة كانوا يحاولون الاختباء من الدخان أو النار.
ويقول لك أصحاب الدفاع المدني: ينبغي أن يكون لكل غرفة مخرجان باب ونافذة مثلاً، وأنك لا تضيع الوقت في أمور تافهة عند حدوث حريق كارتداء ملابس أو البحث عن نقود أو ذهب، وأنه ينبغي عليك أن تتحسس الباب في المبنى المحترق قبل فتحه، فإن كان حامياً فتخرج إلى النافذة أو بارداً فتفتحه بحذر، وإذا كان المخرج عابقاً بالدخان؛ فإن عليك أن تزحف على صدرك قريباً من الأرض ويسمونها المنطقة الآمنة، وإذا التقطت النيران ثيابك؛ فانزعها فوراً، وإن لم تتمكن؛ فانبطح على الأرض، والتف حول نفسك حتى تنطفئ، ولا تركض مذعوراً؛ فإن النيران ستنتشر إلى بقية الثياب والجسد.
ويقولون لك أيضاً: في حالة حدوث تراشق بالنيران؛ فإن عليك أن تنبطح أرضاً، وأن تلصق جسدك ووجهك ويديك بالأرض، وعند حدوث أعمال عنف ولا يمكنك الفرار؛ فانبطح وغط وجهك ويديك، وابتعد عن النوافذ الزجاجية ونحوها.
وإذا ابتلع شخصٌ شيئاً وقف في حلقه، فإنهم يبينون لك كيفية التعامل مع هذه الحالة الطارئة، فإذا علق في حلقه قطعة من الطعام أو سدادة بلاستيكية مثلاً، ولم يستطع السعال لإخراجها أو شرب الماء؛ فإن عليك أن تقف خلفه، وتطوق خصره بذراعيك، وتضع قبضتك من ناحية الإبهام فوق سرته وتحت قفصه الصدري، وتضغط إلى الأعلى بقوة، وتكرر العملية حتى تخرج هذه السدادة، وإذا وقعت لك؛ فإن عليك أن تضغط بطنك إلى زاوية غير حادة تحت عظم الصدر؛ كي تجعل الرئتين تقذفان هذه السدادة.
ويقولون لك أيضاً: إذا وجدت شخصاً مختنقاً فعليك أن تنقله إلى مكان متجدد الهواء، وأزل الأربطة، وفك الأزرار حول العنق والصدر، ونظف الفم والأنف والمسالك الهوائية من أي مواد غريبة، وضع وجهه إلى الأعلى ورأسه إلى الخلف، وارفع فكه السفلي، وأغلق فتحتي أنفه بيدك، وخذ نفساً عميقاً، ثم ضع فمك في فم المصاب، وانفخ بقوة بحيث تجعل صدر المصاب يتحرك، ثم ارفع رأسك؛ حتى يتمكن المصاب من رد الهواء بنفسه، وافعل ذلك اثنتي عشرة مرة في الدقيقة حتى يعود إلى تنفسه الطبيعي.
وفي حوادث السيارات وغيرها يتعلمون كيف تتلافى شخصاً مسرعاً أمامك؟ وكيف تمسك المقود بقبضتين بيدين متوازيتين وتخفف السرعة؟ وكيف تنحرف إلى الاتجاه الآخر، وتخرج عن الطريق إذا استطعت، وتخفف الصدمة بصدم شجرة أو سياج، وإذا لم تستطع فتدير جانب سيارتك للاصطدام، لأن الصدمة الجانبية أهون من الصدمة الخلفية، وهكذا.
وحتى قضايا الطبخ وما يتعلق بحالات الطوارئ لربة البيت، فيعلمونها كيف تفعل إذا زاد الملح في الطعام؛ بأن تقطع قطعاً من البطاطس تجعلها في الطعام لكي يخفف الملح، وهكذا.
هذه الأمور الدنيوية لها ترتيب ولها أصول ولها قواعد ولها خطوات معينة تتبع وإرشادات.