وإن من الأمور أيضاً التي تعبد المرأة ربها في رمضان، ما رخص الله من أنواع الترخيصات، وما يظهر من رحمة ربها بها في هذا الشهر كثيرٌ جداً، فمن ذلك: أنها إذا كانت حاملاً أو مرضعاً فيجوز لها الإفطار بعذر الحمل والرضاعة، والله خلق الرحمة في قلب الأم بالولد، ومن علمه سبحانه وتعالى بذلك فإنه قد أباح لها أموراً كثيرة، وخلقها باستعدادات طبيعية لتواجه ما فطرت عليه من الرحمة والشفقة بالأولاد، فإذا كانت حاملاً أو مرضعاً فإنه يجوز له الفطر وليس عليها إلا القضاء على القول الراجح من أقوال أهل العلم، قياساً على المريض الذي يشق عليه الصوم، والذي قال الله بشأنه: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، فإذا كانت لا تستطيع أبداً أن تصوم ففدية طعام مسكين، وإذا كانت تستطيع أن تصوم ولكن الحمل والرضاع عذر مؤقت كالمرض المؤقت فليس عليها إلا القضاء فقط.
الخلاصة: أنها إذا كانت لا تستطيع الصوم أبداً كما قرر الأطباء وعلم من حالها ذلك، فإن الآية في حقها تنطبق كما انطبقت في حق المريض الذي لا يرجى برؤه، والكبير في السن، فالكبير في السن العاجز يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، كما قال الله: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184].
وأما المريض الذي يرجى برؤه والحامل والمرضع التي يتوقع زوال عذرها فليس عليهم إلا القضاء فقط، بشرط ألا يتعدى رمضان الذي بعده إلا لعذر، كأن تكون المرأة حاملاً ثم تضع في رمضان وتصبح نفاساً، ثم ترضع وقد تحبل مرة أخرى مباشرة في رضاعها فيكون عذرها مستمراً لأكثر من سنة، فلا تستطيع أن تقضي ما عليها من رمضان الفائت قبل رمضان الآتي، فتكون معذورة في تأخير القضاء من رمضان الماضي إلى ما بعد رمضان الآتي؛ لأن الحمل استمر مرة أخرى، والرضاع الذي بعده قد استمر، وهذا من رحمة الله بها، فتحمد الله عليها.
وكذلك فإن هذا التأخير في القضاء الذي وسع لها إلى رمضان القادم يراعى فيه أمر آخر وهو حق الزوج، وحق الزوج عظيم أوصت به الشريعة، وحث على أدائه الله ورسوله، كما حثَّ الله ورسوله على أداء الرجل حق زوجته عليه، ولذلك فإن عائشة رضي الله عنها كانت تؤخر قضاءه إلى شعبان من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعها من القضاء إلا الشغل برسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يبين الحق العظيم للزوج، فمن مراعاة المرأة لزوجها أن تحرص على خدمته، وعلى تهيئة جو العبادة الطيب في بيته، وأن تعينه على العبادة في ذلك؛ من إيقاظه للسحور، وصنع طعام السحور له، وكذلك تجنيبه نفسها، فإنه يجب عليها أن تمتنع عن زوجها، وأن تحرص على سلامة صومه، ولذلك فإن بعض الرجال يتمادون في الاستمتاع بالزوجات في نهار رمضان، بحيث يؤدي إلى إفساد الصوم من حدوث الإنزال أو الجماع ونحوه، وتكون الكارثة العظيمة والكفارة الشديدة لمن وقع في الجماع، والمرأة عليها من كفارة الجماع مثلما على زوجها إذا كانت مطاوعة له ومختارة، فأما إذا كانت مكرهة أو مهددة تهديداً تعلم أنه سينفذه فيها، فإن الإثم والكفارة عليه، وليس عليها إثم ولا كفارة، ولكنها مسئولة عن التحرز من الأحوال التي يقترب فيها منها زوجها أثناء اليوم من رمضان، ولذلك كان لزاماً عليها أن تتجنب التزين له مثلاً، والاقتراب منه إذا كانت تعلم أن زوجها لا يملك نفسه، وأن تهرب منه إذا حاول إفساد صومه بواسطتها.
ولتعلمي -أيتها المرأة المسلمة- أن خدمتك في بيتك أمر عظيم، له أجر جليل، وإنني أعلم أن كثيراً من النساء يتعبن في هذا الشهر كثيراً بسبب حصول العمل الشاق في البيت، فالولد يحتاج إلى خدمة، والبيت يحتاج إلى تنظيف، والأكل والطعام يحتاج إلى طبخ، والزوج يحتاج إلى خدمة أيضاً، ووقت الإفطار قد يحين بسرعة، وهي مسئولة عن تجهيز الطعام للإفطار أو السحور ونحو ذلك.
ولذلك فإن المرأة تتعب في شهر الصوم ربما أكثر من غيره من الشهور؛ لكثرة الأعمال المتزاحمة فيه، والمشقة الزائدة والتعب الناتج عن ترك الطعام والشراب، ولذلك: "فإن المعونة تنزل على قدر المئونة" وإن الله يساعد المرأة المسلمة ويعينها سبحانه وتعالى إذا كانت طائعة له في القيام بهذه الواجبات كلها.
إن تحمل انفعالات الزوج في رمضان التي تنتج من سوء خلقه وضيق نفسه نتيجة التعب والعمل والصيام، مع أنه يجب عليه أن يضبط نفسه إن تحمل هذه الأمور التي تصدر عنه من العصبية الزائدة مثلاً إنه أمر -فعلاً- محل تقدير، ومحل تسجيل من الملائكة الحفظة لأجر هذه المرأة التي تتحمل كل ذلك.