عباد الله: إن الذي ينفع الإنسان في قبره هو عمله الصالح، ولذلك جاء في الحديث الصحيح إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت إذا وضع في قبره يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، والصيام عن يمينه، والزكاة عن شماله، وفعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من يمينه، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل -لا يمكن الاختراق من هذه الجهة- ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل.
فيقال له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أخذت بالغروب، فيقال له: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ ما تقول فيه وما تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي -لأنه كان متعوداً على إدراك صلاة العصر، لا يضيعها حتى تغيب الشمس- فيقولون: إنك ستصلي، أخبرنا عما نسألك عنه، ثم يجيبهم بعد ذلك عن هذه الأسئلة التي طرحوها عليه) حديث حسن، رواه ابن حبان رحمه الله تعالى.
وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المؤمن إذا حضره الموت حضرته ملائكة الرحمة)، قال في الحديث الصحيح: (عند صعودها إلى السماء يقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه عز وجل، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، وإن الكافر إذا خرجت روحه من نتنها -وذكر الراوي لعناً يحصل- ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، ويأمر بها إلى آخر الأجل) رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه.
عباد الله: إن هذه الأشياء التي تقع على الروح وإن كنا لا ندركها فإنها واقعة حقاً حقاً؛ لأن ذلك قد جاء في الأخبار الصحيحة من أنها تبلغ الحلقوم، وأن الإنسان يغرغر إذا بلغت الروح الحلقوم إنها جاءت الأخبار بأنها تصعد إن الأخبار قد جاءت بأن العذاب والنعيم يقع، ولو أن إنساناً قال لك: لقد نبشت قبراً بعد وفاة صاحبه الكافر فوجدت بدنه سليماً، إنهم يحنطون أجساد موتاهم ويجعلونها في توابيت، وربما جعلوها في المتاحف والمزارات، ولا نرى قبضاً ولا هصراً ولا عصراً، بل نرى صدور هؤلاء الأموات سليمة لم يحصل لها شيء؟! نقول له: لقد خرجت المسألة الآن من عالم المحسوسات وصارت في عالم الغيب، ونحن لا نطلع عليه ولا نرى ولا نحس، ولكن العذاب واقع ولا بد على مثل هؤلاء الكفار، نسأل الله السلامة والعافية.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وثبتنا في قبورنا، اللهم ارحمنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض إنك على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.