الروح في البدن لها عند خروجها قعقعة وشنشنة واضطراب في نفس المحتضر؛ ولذلك لما أرسلت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيها، فأرسل إليها معزياً (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب) فأقسمت عليه أن يأتيها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبر بقسم المقسم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام معه الصحابة: معاذ وأبي وعبادة، فلما دخلنا ناولوا الصبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وروحه تقعقع في صدره -الروح تضطرب في الصدر عند الاحتضار- قال: حسبته قال: كأنها شنة -القربة القديمة- فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثراً لحال الصبي الذي يحتضر.
فقال له عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: (الرحمة التي جعلها الله في بني آدم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).
إن هذه الروح يا عباد الله تتأثر بشيء عظيم عند الموت وهو شهادة أن لا إله إلا الله كما جاء في الحديث الصحيح أن عمر رضي الله عنه مر بـ طلحة وهو حزين، فسأله عن سبب حزنه؟ فأخبره طلحة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعلمٍ كلمة لا يقولها أحد عند موته إلا كانت نوراً لصحيفته، وإن جسده وروحه ليجدان لها روحاً عند الموت رحمة وفرجاً وتنفيسا، فلم أسأله حتى توفي -يقول طلحة حزيناً- قال عمر: أنا أعلمها، هي التي أراد عمه عليها -لا إله إلا الله- قال طلحة: صدقت).
عباد الله: إن هذه الروح تصعد وتنزل، وتتصل وتنفصل، وتخرج وتذهب وتجيء، وتتحرك وتسكن، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة والآيات التي جاءت من عند ربنا، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تصعد إلى السماء، ويصلي عليها كل ملك لله بين السماء والأرض إذا كان صاحبها طيباً من الصالحين، وتُستقبل استقبالاً عظيماً، وتفتح لها أبواب السماء، ويشيعها من كل سماء مقربوها إلى السماء التي بعدها، يعرجون معها تكريماً وتشريفاً، ويفتح لها باب السماء الثانية والثالثة وهكذا، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل ليقول الله لها: صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة -يكون فراشه من الجنة- وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، هكذا تشرف روح المؤمن.
أما العبد الفاجر صاحب الكبائر، والمصر على الصغائر، الذي ليس له حسنات ماحية، ولا أمور مكفرة لهذه السيئات فأي استقبالٍ يستقبله؟ إن روحه تصعد إلى السماء بعد أن يستلمها ملائكة العذاب، فتغلق أبواب السماء دونها، ويقول الله: كذب عبدي، ويرد إلى الأرض فيطرح طرحاً من الأعلى إلى الأسفل يهوي من السماء إلى الأرض: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31].