الشرود في الصلاة

يقول هذا الأخ: إنني أشكو من مشكلة عدم الخشوع في الصلاة، أكبر ثم أغيب عن الواقع، فأذهب في متاهات كثيرة في مشاكل عائلية، وفي أمور مادية، وفي الدراسة والامتحانات، وفي علاقاتي مع الكثيرين، وفي الهموم والغموم، ولا أرجع إلى وعيي إلا عندما يسلم الإمام من الصلاة.

فما هو الحل لهذه المشكلة؟

صلى الله عليه وسلم نقول: إن ربنا عز وجل لم يتركنا هملاً ولم يتركنا نهباً للشياطين ولله الحمد، وله سبحانه وتعالى المنة وهو المتفضل على عباده، وإنما بين لنا عز وجل في القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلاجات والحلول لهذه المشكلة، وهاك أيها الأخ المسلم ثلاثة وثلاثين سبباً للخشوع في الصلاة: الأول: أن يحسن الوضوء.

وسنسردها بسرعة واختصار مع بعض التنبيهات.

هناك -أيها الإخوان- في موضوع الوضوء كثير من الأخطاء التي تحدث بين الناس، والواجب على طلبة العلم والذين يعلمون أحكام الوضوء أن ينبهوا الناس، وقد كان من سلفكم رحمهم الله من يطوف على المطاهر في المساجد فيرقبون أحوال الناس في الوضوء ويعلمونهم، وأنت ترى في عامة الناس اليوم تقصيراً كبيراً في مسألة الوضوء، فمنهم مثلاً: إذا أراد أن يتمضمض فإنه لا يدير الماء في فيه، وبهذا تكون مضمضته باطلة، فإن أخذ الماء وإخراجه من غير إدارته في الفم لا تسمى مضمضة، وكذلك في الاستنثار تجد كثيراً منهم يأخذ الماء فيضعه على طرف أنفه وبعد ذلك يخرجه ولا يدخل إلى الداخل وهذا ليس باستنثار، وكذلك فإنهم إذا أرادوا أن يغسلوا وجوههم فإنه يأخذ الكفين مملوءة بالماء فيضرب بها وجهه من جهة المنتصف، فلا يصل الماء إلى منابت الشعر حدود الرأس ولا إلى جنبتي الرأس عند الأذنين، إن هذه المنطقة أيها الإخوة! حدود الرأس من الجانب الأيمن والأيسر من الأذن اليمنى إلى الأذن اليسرى والذقن في الأسفل، والذين يتوضئون مع الأسف الكثير منهم لا يعمم وجهه عند الوضوء، وكذلك فإنهم عند مسح الرأس محافظة على تمشيط شعورهم وخصوصاً الذين يلبسون الطاقيات ويضعون غطاء على الرأس فإنهم لا يصلون بالماء أو باليد المبللة بالماء إلى آخر الرأس حدود الرقبة عند الرقبة ثم يعودون، وبذلك يكون مسحهم على رءوسهم ناقصا.

وبعض السائلات تقول: إنني ذات شعر طويل.

فكيف أمسح رأسي في الوضوء؟ فنقول: إن أهل العلم قد بينوا أن المرأة ذات الشعر الطويل إذا أرادت أن تمسح رأسها في الوضوء فإنها تبدأ من الإمام حتى تصل إلى الخلف عند الرقبة على الشعر بما يحاذي الرقبة ثم ترجع إلى الإمام بعد ذلك، ولا يجب عليها أن تمسح الشعر إلى آخره وهو يصل إلى منتصف الظهر، وكذلك إن كثيراً من الذين يتوضئون لا يمسحون آذانهم جيداً فلا يدخلون أصابعهم في تجاويف الأذن من الداخل والخارج فيكون مسحهم لآذانهم ناقصاً، ويكون مسحهم لرءوسهم ناقصاً لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (الأذنان من الرأس).

ناهيك عما يقع في وضوء كثير منهم من عدم إيصال الماء إلى الأعقاب وهي النقطة القصوى أو المكان الأقصى في القدم من الأسفل من جهة الكعبين، أسفل الكعبين هذا المكان كثير من المتوضئين الذين يجعلون أقدامهم تحت صنابير المياه المفتوحة لا يتأكدون من وصول الماء إلى ذلك المكان فيكون وضوءهم باطلاً وبالتالي صلاتهم غير صحيحة.

كما أن كثيراً منهم يخالف سنة تخليل أصابع اليدين والرجلين، وقد أمر عليه الصلاة والسلام بهذا، فلا بد أن يخلل المسلم أصابع يديه من الداخل وأصابع رجليه بالخنصر كما ورد في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم، تخليل أصابع اليدين والرجلين.

فإذاً أولاً: إحسان الوضوء.

ثانياً: التزيين للصلاة.

خذ بعض الإخوان الذين يأتون إلى المساجد في ثياب النوم مثلاً، ورائحة النوم أو العرق تفوح منهم، والذي يأتي وقد أكل ثوماً أو بصلاً ناهيك عمن يدخل المسجد وهو قد دخن فيكون متشبعاً بتلك الروائح الخبيثة، وإذا كان الإنسان يتزين في المناسبات والأعراس فالله أحق أن يتزين له.

ثالثاً: أداؤها في المسجد للرجال وأداؤها في قعر البيت بالنسبة للمرأة.

رابعاً: السكينة عند الإتيان إلى الصلاة.

خامساً: عدم التشبيك بين الأصابع.

سادساً: أذكار الخروج من المسجد ودخول المسجد.

سابعاً: تسوية الصف.

ثامناً: السترة للإمام والمنفرد فإنها تمنع الشيطان من المرور والوسوسة.

تاسعاً: أن يمنع المار بين يديه.

عاشراً: استشعاره بوقوفه بين يدي ربه عز وجل، وهذه يمكن أن تكون أهم نقطة في موضوع الخشوع، أن يستشعر أنه واقف الآن بين يدي الله عز وجل.

الحادي عشر: التفكر في معنى ما يقرأ أو يسمع وتزيين الصوت بالقرآن.

الثاني عشر: إذا مر بآية رحمة سأل أو آية عذاب استعاذ، أو مر بآية سجدة سجد خصوصاً للذين يصلون في قيام الليل.

الثالث عشر: إتمام الأركان والواجبات والسنن، والطمأنينة في الصلاة.

الرابع عشر: تذكر الموت في الصلاة للحديث الصحيح الوارد في ذلك.

الخامس عشر: النظر إلى موضع السجود، والنظر إلى السبابة عند الجلوس.

السادس عشر: وضع اليمين على الشمال على الصدر، ولما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن هذا؟ قال: هو ذل بين يدي الله العزيز، فلا تحسبن المسألة شكلية وإنما لها معنىً في القلب.

السابع عشر: عدم الالتفات في الصلاة، لا التفات القلب ولا التفات البصر.

الثامن عشر: حفظ الأدعية والأذكار المختلفة والتنويع فيما من السنة تنويعه في الصلاة كأدعية الاستفتاح والتشهدات الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

التاسع عشر: التأمين مع الإمام.

العشرون: التفكر في معنى الأذكار التي يقرؤها المسلم.

الحادي والعشرون: تحريك الإصبع في التشهد، فإنه قد ورد في الحديث الصحيح: (أنها أشد على الشيطان من الحديد).

الثاني والعشرون: الخوف ألا تقبل الصلاة، وأن يتفكر في حديث: أن الناس يخرجون من الصلاة، فمنهم من يخرج بعشرها، ومنهم من يخرج بتسعها، ومنهم من يخرج بنصفها، ومنهم من يخرج بكلها، حسب خشوع وإتمام أركان وواجبات وسنن الصلاة.

وأن يتأمل ويتفكر أنها لو لم تقبل كيف ترد ويضرب بها وجهه.

الثالث والعشرون: الاستعاذة بالله من الشيطان عند وسوسته في الصلاة، والتفل عن اليسار ثلاثاً إذا كان مكانه مناسباً.

الرابع والعشرون: تجنب الصلاة في أماكن الصور والزخارف والضوضاء ومرور الناس وفي الحر الشديد والبرد الشديد ما أمكنه ذلك.

الخامس والعشرون: ألا يصلي وهو حاقن ولا حاقب، يعني: لا حابس البول ولا حابس الغائط.

السادس والعشرون: ألا يصلي وهو بحضرة طعام يشتهيه: (فإذا حضر العَشاء والعِشاء فقدموا العَشاء).

السابع والعشرون: ألا يصلي خلف النائم والمتحدث كما ورد في الحديث الصحيح، وألا يستقبل وجه الرجل في الصلاة، ونشاهد بعض المصلين إذا أراد أن يتسنن وهو وراء الإمام وقد التفت الإمام إلى المصلين تجده يقوم ويصلي وراء الإمام مباشرة وجهه لوجه الإمام وهذا غير صحيح.

الثامن والعشرون: كظم التثاؤب ورده ما استطاع فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب، ويضحك من العبد وهو يتثاءب.

التاسع والعشرون: عدم رفع البصر إلى السماء والوعيد الشديد في الحديث الصحيح.

الثلاثون: ألا يبصق جهة القبلة ولا عن يمينه إذا اضطر إلى البصاق، أحياناً يضطر الإنسان في الصلاة، وإنما يبصق عن جهة اليسار في منديل أو طرف الثوب ونحو ذلك.

الحادي والثلاثون: ألا يغطي فاه في الصلاة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التلثم.

الثاني والثلاثون: أنه إذا فاته الخشوع في أجزاء كبيرة في الصلاة فلا يقل انتهى الأمر ويستمر في اللهو، فلو لم يتذكر الإنسان أنه في الصلاة إلا وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال فليحضر قلبه عندها وليخرج بهذا أفضل ألا يخرج بشيء، وليتدارك الأمر ولو كان في آخر لحظات الصلاة.

الثالث والثلاثون: الأذكار بعد الصلاة فإنها مما تثبت خشوع الصلاة في القلب وأثر الصلاة فيه.

والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015