ومن آداب الرحلة في طلب العلم: استئذان الأبوين في السفر لطلب العلم، فأما إن كان العلم الذي يريد طلبه مفروضاً فإنه لا يتوقف طلبه على الإذن، لكن إن كان ليس بفرض فيجب استئذان الوالدين شرعاً، ولا يجوز له السفر إلا باستئذانهما، حتى إن بعض العلماء لما أصيب بالعمى قال: ربما كان هذا العمى بسبب دموع أمي التي ذرفتها بكاءً على فراقي لما رحلت فعوقبت بها، فإذاً لا بد من الاستئذان إذا كان لا يمكن تحصيل العلم الواجب إلا بالسفر، أما إذا كان عنده في بلده من يعلمه العلم الواجب فلا يجوز له أن يسافر إلا بإذن أبويه.
وعن أحمد بن أصرم المزني قال: سمعت رجلاً يسأل الإمام أحمد: طلب العلم أحب إليك أو أرجع إلى أمي؟ وكان السائل غريباً في بلده، فقال: إذا كان العلم فيما لا بد منه أن تطلبه فلا بأس أن تذهب ولو لم توافق أمك.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الجامع: إذا منع الطالب أبواه عن تعلم العلم المفترض فيجب عليه مداراتهما والرفق بهما حتى تطيب له أنفسهما ويسهل من أمره ما يشق عليهم، ثم ذكر باباً بعنوان "ذكر شيء من وجوب طاعة الوالدين وبرهما وترك الرحلة مع كراهتهما ذلك وسخطهما"، وكان بعضهم يقيم عند أمه حتى إذا ماتت ذهب فرحل في طلب العلم.
كذلك من الأشياء التي قد تمنع الإنسان عن الرحلة ويكون جلوسه شرعياً بسببها: الزوجة والأولاد، عن حميد بن الأسود قال: قال لي سفيان: تجيء حتى نخرج إلى يونس بن يزيد الأيلي.
قال: قلت: أنت فارغ وأنا علي عيال.
أي: أنت لست متزوجاً ولا عندك عيال، وأنا متزوج وعندي عيال لو سافرت وتركتهم ضاعوا، فلا بد من المقام عندهم؛ فليس بعيب إذاً أن يجلس إذا لم يكن هناك من يقوم بأمر أهله في حال غيابه.
قد يمنع طالب العلم من الرحلة: المال؛ لأن الرحلة تحتاج إلى مصاريف تحتاج إلى تذاكر سفر ركوب تحتاج إلى نفقة طريق تحتاج إلى أجرة فندق تحتاج إلى قيمة كتب وأشياء، فلا بد من مادة، وقد لا يجد الطالب مادة للسفر فيكون هذا أحياناً من أسباب امتناعه، والحيلولة بينه وبين الطلب أو السفر.
عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قال لي أبي: لو كان عندي خمسون درهماً كنت خرجت إلى الري إلى جرير بن عبد الحميد، فخرج بعض أصحابنا ولم يمكنني الخروج؛ لأنه لم يكن عندي شيء.
أما إذا أراد أن يخرج للسفر فإنه يستخير الله عز وجل، ويخرج يوم الخميس، ويستحب التبكير كما هي السنة، وأذكار السفر والدعاء في السفر، ويودع الإخوان والمعارف، عن ابن عباس قال: [من السنة إذا أراد الرجل السفر أن يأتي إخوانه فيسلم عليهم، وإذا جاء من سفر يأتيه إخوانه فيسلمون عليه].