الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، أشهد أن لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم مالك الملك، يفعل في خلقه ما يشاء: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] فلله الحكمة البالغة يفعل ما يشاء، هو الذي خلق الخلق إن شاء أحياهم وإن شاء أماتهم وهم داخلون في ملكه، وهم المقهورون الأذلاء بين يديه، إن شاء صعقهم وإن شاء خسف بهم وإن شاء رحمهم: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] مالك الملك يفعل ما يشاء، لا اعتراض على حكمه، ولا خروج لأحدٍ عن علمه، ولا عن فعله، ولا عن اختياره سبحانه وتعالى، وله في كل فعلٍ حكمة، وهو الحكيم الخبير، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى الله عليه صلاةً دائمة إلى يوم الدين، صلى الله عليه بما هدانا وعلمنا وأرشدنا وذكرنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون: هل الزلازل ابتلاء أم عقوبة؟ ما هو الفرق بين أن تكون ابتلاء أو عقوبة؟ إذا كانت ابتلاء لرفع درجات وزيادة حسنات، فقد تكون لأتقى خلق الله، الابتلاء قد يكون لأتقى خلق الله، ولو لم يعمل معصية، يزيد الله في حسناته ويرفع درجاته في الجنة.
أما إذا كان عقوبة فإنه يكون للمعصية، للشرك، للتوسل إلى الأموات والطواف بالأضرحة والقبور وتقبيل الأعتاب، وترك الشريعة وتحكيم الجاهلية، والكفر بالله، وشرب الخمور، وارتكاب الموبقات والملاهي والمحرمات بأنواعها، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، وتولي الكفر، والتبرؤ من الإسلام وأهله، هذه من أسباب العقوبة، هل يمنع أن يكون الحدث ابتلاء وعقوبة في نفس الوقت؟
صلى الله عليه وسلم كلا.
فإنه ابتلاء للمؤمنين، فكل مؤمن أصابه من البلاء ما أصابه، وهو طائع لله، يدعو إلى الله، متمسك بدين الله، موحد لله غير مشرك به، فإنه ابتلاء بحقه، فإذا مات أو سقط عليه البناء، أو جرح أو كسر، أو مات له أولاد أو زوجة أو أقرباء وانهدم بيته وتهشمت سيارته، وعدم أثاثه ونحو ذلك، هذا في حقه ابتلاء يزيد الله حسناته ويرفع به درجاته.
أما إذا كان من المتولين عن الله، المعادين لدين الله، الخارجين عن طاعة الله، فهذا في حقه عقوبة وشر مستطير نزل به، قد يرجع إلى الله فيتوب، وهذا هو المرجو، الله عز وجل يذكرنا: {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام:42] {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:48] لعلهم يعقلون {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221] وقد لا يحدث له إلا الزيادة في الكفر والزيادة في المعاصي: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً} [الإسراء:60].