أولاً: أن يقرأ القرآن لله، لا من أجل الناس؛ لأن الله يقول لأحد الناس يوم القيامة: (ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي؟ قال: بلى يا رب! قال: فماذا فعلت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به أناء الليل، وأناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يقال: فلانٌ قارئ فقد قيل، ثم يسحب إلى النار).
ثانياً: أن يتلوه على طهارة، ويستقبل القبلة، ويستخدم السواك (إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك) وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأفضل صيغها: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) الترتيل وتحسين الصوت التأني والترسل في القراءة الصبر على مشقة التلاوة لمن لا يحسن تهجي الحروف أو به علةٌ في نطقه البكاء والتباكي: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109] وبكى النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:41 - 42].
ودخل عمر دير راهب فناداه فأشرف الراهب، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، فسألوه: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: [ذكرت قول الله عز وجل: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3 - 4]] مع عملها ونصبها تصلى ناراً حامية؛ لأنها تعمل وتنصب في الباطل والبدعة والشرك.
وكتب عمر إلى رجلٍ سمع أنه يشرب الخمر: [من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان: سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3]] ولما بلغت الرجل الرسالة جعل يقرأها ويردد، ويقول: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:3] قد حذرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه ثم بكى، وبعد ذلك نزع ما كان فيه من شرب الخمر.
يا أيها الناس يا عباد الله! لقد تفشى شرب الخمور في المجتمع تفشياً عظيماً، والأغنياء يشربون النوع الأصلي، والذين هم أقل يأخذون الزجاجة أو القارورة الكبيرة بخمسين والصغيرة بخمسٍ وعشرين، والذي يشرب الخمر يسقيه الله من ردغة الخبال يوم القيامة، وهي عصارة أهل النار، قرف وعرق وصديد وقيح أهل النار، هذا هو شرابه يوم القيامة، والذين أساءوا وأسرفوا على أنفسهم ينتهزون رمضان ليجعلوه فرصةً للتوبة، نريد أن يكون هذا الشهر -أيها المسلمون- شهر انقلاب في حياتنا، نريد أن نتغير فعلاً، نريد أن نحول مسارنا من مسار المعصية إلى مسار الطاعة، وعددٌ من الناس الذين يرتكبون المعاصي عندهم صراع نفسي، فإذا جاء رمضان غلبت نزعة الخير في أنفسهم نزعة الشر وأقبلوا على الله، وجاءوا إلى المساجد زرافاتٍ ووحداناً، يتقاطرون إلى بيوت الله تعالى، يشهدون الإفطار، يأكلون بعد صيام، ألا ليتذكروا أنه الذي قال: (يدع طعامه وشرابه وزوجته من أجلي) الذي قالها في الحديث القدسي (يدع شهوته)، وفي رواية: (يدع زوجته) يدع طعامه وشرابه من أجلي إذا كانت حلال وتركها لله وهي حلال؛ لأن الله أمره بتركها في نهار رمضان فحريٌ به أن يترك الآن الحرام الذي هو حرام في الأصل زنا خمر مخدرات علاقة بالنساء ربا أموال حرام ظلم، اترك وأقبل على الله، هذا موسم التغيير، فإذا لم تتغير الآن فمتى تتغير؟ وإذا لم تقبل الآن فمتى تقبل؟ بكى الصحابة من قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:19]، وقرأت عائشة: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] فلا زالت تبكي وتبكي مدةً طويلة، وبكى الصحابة من قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284] وبكوا من قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] استبطأ الله إقبال قلوب المؤمنين، فقال لهم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحديد:16] ما جاء الأوان بعد، فإذا ما جاء الأوان في رمضان فلن يأتي في الغالب، هذه هي الفرصة، هذه رقة ما بعدها رقة، وفرصة ما بعدها فرصة، فغير يا عبد الله! وتخلص من اللهو، وتخلص من أدوات المنكر الآن قبل أن يفوت الأوان.
ثالثاً: من آداب التلاوة أن يكون بصوتٍ ليس بجهرٍ ولا مخافتة، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110]، أن يكون بين الجهر والإسرار، والإخفاء أفضل حيث خاف الرياء، أو خاف أن يتأذى من بجانبه من صوته، والجهر أفضل لطرد الشيطان والنوم رتب السور، وحافظ على ترتيب المصحف ما أمكنك، فإنها السنة، وكف عن القراءة عند النعاس أو التثاؤب أو خروج الريح، وإذا مررت بسجدةٍ فاسجد، ولا تقطع القراءة لكلام الناس إلا عند الحاجة، وقف عند رأس الآية، والوقوف عند رءوس الآيات سنة وإن تعلقت في المعنى بما بعدها، واستحضر عظمة الله تعالى المتكلم بهذا القرآن، وقراءة التفسير تساعدك على التدبر، واستشعر بأنك المخاطب بهذا الكتاب، نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن.