ذكر العلماء أن بعض العامة يظنون بأن المراد بالفطر قبل رمضان وعدم الصيام هو اغتنام الفرصة للأكل؛ لتأخذ الأنفس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك، ولذلك يقولون في الأيام الأخيرة من شعبان: هي أيام توديعٍ للأكل، وبعضهم يسميها الشعبانية، وذكر بعض أهل اللغة أن أصل ذلك مأخوذ من النصارى، فإنهم كانوا يفعلونه قرب صيامهم، وليس المقصود بالمنع من الصيام قبل رمضان أن نستعد بالأكل ونشبع، كلا والله.
والعصاة يستعدون بالازدياد من المعاصي قبل دخول رمضان، ويقولون: حتى ندخل فيه فيغفر لنا، فيستهينون بالأيام الأخيرة من شعبان، كما قال بعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولّت فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداحٍ صغارٍ فإن الوقت ضاق عن الصغار
ويكثرون من شرب الخمور قبل دخول الشهر والعياذ بالله.
ومن كان هذا حاله، ويظن أن التزود الآن بالشبع والمعاصي قبل دخول رمضان، فالبهائم أعقل منه، وله نصيبٌ من قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179] وربما يكره كثيرٌ منهم صيام رمضان ودخوله، حتى إن بعض السفهاء كان يسبه لأجل أنه سيحرم فيه من الشهوات، والله عز وجل جعل الليل مجالاً للأكل والشرب والنكاح، فليس ما سبق بممنوعٍ إلا ساعات، وفي هذا الفصل في هذا الشهر سيكون النهار من أقصر أيام السنة، وربما لا يحس الإنسان بكثير مشقة في الامتناع عن الطعام والشراب، فلابد ألا يُفقد لذة رمضان، وعليه بالازدياد من العبادات، ومن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله الراشدين، ومن أراد الله به شراً خلى بينه وبين نفسه، فأتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين.
باع قومٌ من السلف جارية لهم، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان، لقد كنت عند قومٍ كل زمانهم رمضان، ردوني عليهم.
وباع الحسن بن صالح رحمه الله جارية له، فلما انتصف الليل قامت، فنادتهم: يا أهل الدار! الصلاة الصلاة، تقصد قيام الليل، قالوا: طلع الفجر، قالت: وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة، ثم رجعت إلى الحسن الذي باعها، وقالت له: بعتني على قوم سوء لا يصلون إلا المكتوبة ردني ردني.
تتطلع النفوس إلى الشهر الكريم بالازدياد من العبادة، ويقبل الناس على الله تعالى بالدعاء أن يبلغهم هذا الشهر، ويستعدون لذلك بأنواع الاستعداد، ويدرسون أحكام الصيام، ويتنبهون إلى مسألة عقد النية قبل الفجر في أول ليلةٍ من رمضان على العزم على الصوم، والنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة، ويحتاط إلى أن يستيقظ في جزءٍ من الليل قبل الفجر حتى يعلم هل دخل الشهر أم لا؛ ليكون عنده نية جازمة يدخل بها شهر رمضان.
يا من عليه صيام قضاءٍ! سارع، فما بقي شيء ويا من عصى الله! تب الآن وجدد التوبة، ويا معشر أصحاب الأموال! احصوا الزكاة استعداداً لإخراجها إذا كان الحول يحول في رمضان.