هذا الفعل أيها الإخوة -حثو التراب في وجوه المداحين- من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا بد عند تطبيق الأحاديث من مراعاة أحوال الحديث، فهذا لا يقول لك بأنه إذا جاءك رجل يمدحك الآن فإنك تأخذ التراب وترميه في وجهه مهما كان حاله، كلا يا أخي! فلا بد من مراعاة حال المادح فقد يكون جاهلاً لأحكام المدح وما يترتب عليها، ثم إن ابن عمر رضي الله عنه من فقهه أنه علَّم الرجل أولاً وقرأ عليه الحديث ثم حثا في وجهه التراب.
ثم أنك إذا رأيت بأن حثو التراب في وجه هذا المادح قد يباعد فيما بينك وبينه، ويصده عن الإسلام، ويمنعه من التأثر فيك أو الاقتداء بك فإن من الحكمة في هذه الحال عدم استعمال هذا، ليس تعطيلاً للحديث وإنما حكمة في الدعوة إلى الله، وترفقاً بالجاهل.
وكذلك يا أخي المسلم! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث: (احثوا في وجوه المداحين) وأتى بصيغة المبالغة (المداحين) وهم الذين يكثرون المدح ويستعملونه بكثرة فيجعلونه صنيعهم ودأبهم الدائب.
قال ابن العربي رحمه الله: وصورة تطبيق هذا الحديث أن تأخذ كفاً من تراب وترمي به بين يديه، وليس في وجهه فتعمي به عينيه، كلا، وإنما ترميه أمامه، لماذا؟ فإنك تقول له: ما عسى أن يكون مقدار من خلق من هذا.
لماذا قال عليه السلام التراب؟ من الحكم أيها الإخوة: أنك تأخذ التراب وترميه أمامه وتقول له: أنا خلقت من هذا التراب، فهل أنا أهل لهذا المديح وما خلقت إلا من الطين؟ وأنت كذلك ما خلقت إلا من هذا التراب فاربأ بنفسك عن هذه الآفات التي تعرضك إلى ما لا يُحمد عقباه، وتعرف المادح قدرك وقدره.
قال النووي رحمه الله: ومدح الإنسان قد يكون في غيبته وهو غير موجود، وفي وجهه، ففي الحالة الأولى إذا مُدح وهو غائب عن المجلس فإن هذا المدح لا يمنع منه إلا إذا دخل المدح في الكذب حتى ولو كان الممدوح غير موجود؛ لأنه يدخل في الكذب لا لكونه مدحاً.
ويستحب كذلك أيها الإخوة: أن الإنسان إذا مدح ألا يبالغ حتى ولو كان الممدوح أهلاً لهذا المدح، كما سيمر معنا بعد قليل.