قد يخطر لبعض الناس أن يتبتل ويقول: هذا النكاح شهوة لا أريدها لأنها تقطعني عن العبادة، أو عن طلب العلم الزواج مشكلات الأولاد مصائب تربيتهم مسئولية لا أطيق ذلك ونحو ذلك من الأمور؟ فنقول: إن التبتل ليس من طبيعة هذا الدين، وليس من عادة هذه الأمة، أبو هريرة يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني -وفي رواية: أنه استأذنه في الاختصاء- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما كرر عليه وسكت عنه، ثم قال ذلك فسكت عنه، ثم قال ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا هريرة! جف القلم بما أنت لاقٍ فاختص على ذلك أو ذر) افعل ذلك أو اترك وليس ذلك إذناً بالفعل كلا، وإنما هو نوع من التنبيه على أن هذا الأمر ليس من السنة، وأن ذلك كله مقدر في علم الله تعالى، ومكتوب في اللوح المحفوظ، سواء فعل أو لم يفعل وهو ينبهه على ألا يفعل ذلك ويلفت نظره.
والحديث الآخر الذي يرويه عثمان بن مظعون لما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأذن له، فإن سعد بن أبي وقاص قال: (رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا)، وقال قيس: قال عبد الله: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب، ثم قرأ علينا قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) [المائدة:87]) وكل الأحاديث السابقة رواها الإمام البخاري رحمه الله تعالى.