ثم إن الله سبحانه وتعالى واعد موسى عليه السلام، كما قال سبحانه: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [طه:80] لما نجاهم من عدوهم فرعون وأقر أعينهم منه، واعد الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام وبني إسرائيل على جانب الطود الأيمن عند الجانب الأيمن من الطور، ولكن موسى عليه السلام استبق قومه للقاء الله سبحانه وتعالى، وسأله ربه عم أعجله؟ فقال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84] لتزداد عني رضاً، ولما سأله ربه: لماذا سبق قومه؟ قال: {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:84] قادمون سينزلون قريباًً من الطور، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أنه قد فتن قومه بعبادة العجل في أثناء غيابه، قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف:148] كان بنو إسرائيل قد استعاروا من القبط -وهم سكان مصر الفرعونيين- استعاروا منهم حلياً ولما هرب بنو إسرائيل أخذوا معهم الحلي؛ لأن هذه أموال محاربين فهي جائزة للمسلمين أخذوها معهم وعبروا بها، وكان هناك رجل، قيل: إنه ليس من قوم موسى ولكنه من طائفة تعبد البقر، يقال له: السامري دخل معهم، ولما ألقى بنو إسرائيل هذا الذهب في الحفرة تحرجاً منه، وقالوا: كيف نأخذه معنا وهي أموال مسروقة، لما وضعوها في الحفرة كان السامري قد رأى أثر فرس جبريل فأخذ منه قبضة من وطأة الفرس على التراب، فألقاها في الحفرة التي فيها الذهب؛ فشكل لهم منه عجلاً من الحلي، ثم ألقى هذه القبضة من التراب من أثر فرس جبريل، فصار العجل له صوت -وهو الخوار: صوت البقر- قال الله: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف:148] فوبخهم ربهم، قال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف:148].
وأخبر الله سبحانه وتعالى موسى أنه قد فتن من بعده وأضلهم السامري، قال بعض المفسرين: إن هذا العجل من لحم ودم، وقال بعضهم: إنه لم يزل على طبيعته الذهبية إلا أنه يدخل فيه الهواء ويخرج؛ فيكون له صوت كصوت البقر فافتتنوا به أيما افتتان، وقالوا لبعضهم: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:88] وبخهم الله على ذلك (وحبك الشيء يعمي ويصم) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود، لما افتتنوا به أحبوه وتغلغل فيهم، فلم يكونوا على استعداد لتركه.