وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها فتأمل الحديث: عندما قدم حزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جد سعيد بن المسيب، فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم حزن إلى سهل، فقال ذلك الرجل: لا أغير اسماً سمانيه أبي، فيقول سعيدٌ رحمه الله: [فما زالت تلك الحزونة فينا بعد] والحزونة هي الشدة والصلابة والعسر قال: لا زالت تلك الشدة معروفة في عائلتنا وأسرتنا لقاء عصيان ذلك الرجل تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم له باسم سهل وإصراره على اسم حزن مع ما يتضمنه ذلك الاسم من القبح، فصارت تلك الغلظة في طبعهم وأخلاقهم موجودة لقاء ذلك العصيان.
ومن تأمل السنة وجد معاني في الأسماء مرتبطة بها، حتى كأن المعاني مأخوذة من تلك الأسماء، وكأن الأسماء مشتقة من تلك المعاني فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام مثلاً: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها -ولكن قبيلة عصية قال:- عصية عصت الله ورسوله) مع أن الأحداث التاريخية تخبر بأن أسلم وغفار تلكما القبيلتين قد أسلمتا لله رب العالمين وجاء أفرادهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما عصية فإنها حاربت رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتركت مع رعل وذكوان في قتل أصحابه عليه الصلاة والسلام، فتأمل كيف جرى ذلك القدر أن يكون أسلم وغفار ممن جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منيبين مهتدين وبين عصية التي عصت الله ورسوله.
ولما نزل الحسين رضي الله عنه وأصحابه في كربلاء سئل عن اسمها، فقيل له: كربلاء، فقال: كرب وبلاء وكان ذلك فعلاً، ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب تسأله رضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير قال لها: ومن أنت؟ قالت: امرأة من بني سعد، قال: ما اسمك؟ قالت: حليمة، قال: بخٍ بخٍ سعدٌ وحلمٌ هاتان خلتان فيهما غناء الدهر.
ولأجل هذا كان من الأسباب التي تدفع إلى اختيار الاسم الطيب الذي يحمل من المعاني أشياء حسنة فيسمي به الوالد ولده من ذكر أو أنثى، والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها، ولتناسب حكمة الله بين اللفظ ومعناه كما تتناسب بين الأسباب ومسبباتها.