الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نسأل الله تعالى أن يجعل لقاءنا هذا لقاءً نافعاً، وأن يرزقنا وإياكم الإخلاص والاستقامة، فالله سبحانه وتعالى قد أوصانا بالاستقامة وأمرنا بها، فقال جل وعلا: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6]، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال لنا: (استقيموا ونعما إن استقمتم)، وقال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن).
وقد أمر الله نبيه بالاستقامة، فقال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:112]، وقال لموسى وهارون: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس:89]، ولما أراد رجلٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية لا يسأل بعدها أحداً غيره عن شيء، قال: (قل آمنت بالله ثم استقم)، وفي رواية قال لرجل: (استقم وليحسن خلقك)، وقد وعد الله أهل الاستقامة بالثواب العظيم، فقال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13] {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن:16] والله سبحانه قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:27 - 28].
أما الاستقامة فقد تنوعت ألفاظ السلف في تعريفها، فمنهم من قال: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله.
- ومنهم من قال: استقاموا على أداء الفرائض.
- ومنهم من قال: أخلصوا الدين والعمل.
- ومنهم من قال: استقاموا على طاعة الله.
- ومنهم من قال: لم يروغوا روغان الثعلب.
قال ابن رجب رحمه الله: "الاستقامة سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم من غير تعريجٍ عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك".
إذاً: نحن الآن أمام التعريف الجامع للاستقامة، وهو: فعل الطاعات وترك المنهيات؛ فعل الطاعات الظاهرة والباطنة وترك المنهيات الظاهرة والباطنة.