صور التناجي المحرمة والمباحة

هذا هو الضابط الذي ذكره العلماء، ومن هذه الصور مثلاً: أحياناً يأتيك ضيف أنت وهو في المجلس فيأتي إليك ولدك أو خادمك فتضطر أن تسر في أذن الولد أو الخادم كلاماً عن تجهيز الطعام مثلاً، أو عن تفريغ طريق مثلاً، أو أحياناً يقول لك ولدك: إن أمي تقول كذا وكذا، وفي هذه الحالة فقد درجت مروءة الناس على عدم الجهر بهذه الأشياء أمام الضيوف، فهذه المسألة هي مصلحة راجحة تقاوم المفسدة المشكوك بها، لأن الضيف سوف يقدر أن ولدك هذا عندما تسر إليه بكلام لن تقول كلاماً سيئاً عنه، وإنما سوف ترتب أنت وإياه أمراً يتعلق بالضيافة، أو يتعلق بداخل أهلك بداخل البيت، فلذلك لن يحزن، هذا مثال على التناجي الجائز، وإلا أيها الإخوة فأغلب صور التناجي الواقعة اليوم هي صور محرمة.

وكذلك لو سأل إنسان: هل يدخل في التناجي أن يتكلم اثنان بلغة أخرى جهراً أمام ثالث لا يفهم هذه اللغة؟ لنفترض أن هناك ثلاثة رجال في مجلس واحد أحدهما لا يعرف اللغة الإنجليزية مثلاً، فأنت تكلمت مع صاحبك وأنت وإياه تفهمان هذه اللغة والثالث لا يفهم اللغة، تكلمتما بصوت مسموع، هل يدخل هذا في التناجي؟ قال العلماء: نعم.

يدخل ذلك في التناجي.

ومنه قول النووي رحمه الله وفي معناه معنى التناجي: ما إذا تحدثا بلسان لا يفهمه لأن العلة موجودة، كأنك أنت وهو تساررتما لأن الشخص الثالث لا يفهم شيئاً، ففي هذه الحالة لا يجوز التناجي بهذه اللغة الثالثة.

أما لو كان عندك في البيت مثلاً خادم أو سائق لا يتكلم بالعربية فهل يكون تناجياً أن تتكلم بالعربية مع صاحبك في البيت بحضرة الخادم؟ الظاهر أن هذا لا يدخل في الحديث لماذا؟ لأن هذا الخادم موجود في البيت أصلاً، وكلامك مع صاحبك ليس عن الخادم، ولا من أجل الإضرار به.

وكذلك فإن الخادم لن يحزن في هذه الحالة.

وكذلك لأن التناجي هنا في الحديث خاص بالثلاثة الموجودين في المجلس في بعض الحالات، وليس الناس الموجودين في البيت من الخدم وأصحاب البيت مثلاً.

فلذلك لا حرج أن يتكلم مثلاً اثنان من أهل البيت أمام الخادم باللغة العربية وهو لا يفهمها إذا كانا لن يتكلما في شأنه أو يغتابانه مثلاً، فإنك تجد بعض الناس الآن للأسف عندما يأتي خادم مسلم قد لا يتكلم اللغة العربية فتجد شخصاً يقول للثاني: انظر إلى هذا الغشيم كيف يضيف الناس، هذا عمره ما يتعلم، لو جلست، فيغتاب الرجل، ويشرِّح في عرضه، وينبذه بالألقاب التي نهى الإسلام عنها، والخادم أمامه مسكين لا يفهم، فإنه في هذه الحالة لا يجوز ذلك مطلقاً.

وكذلك لو سأل إنسان فقال: هل يدخل في التناجي مثلاً عندما أكون أنا مع اثنين وأكتب لثالث صاحبي كتابة في ورقة وأريه الورقة والشخص الثالث لا يعلم ما هو المكتوب؟ الجواب أيها الإخوة: إن هذا داخل في التناجي قطعاً، بل ربما كانت الكتابة في الأوراق أشد من الكلام، وبعض الناس يستعمل هذا، تجد ثلاثة في مجلس واحد يتكلم مع الثاني فيقول له: بكم اشتريت هذه أو كذا وكذا فلكي لا يخبر الثالث يكتب هذا في ورقة ويريه الورقة، يزعم أنه قد تخلص من هذا المحظور ولم يقع فيه، والحقيقة -أيها الإخوة- أنه ما تخلص منه مطلقاً، بل إنه وقع في عين التناجي، لأن هذه الكتابة في الورقة ستحزن الشخص الثالث ولا شك في ذلك.

فلو كان هناك في المجلس أكثر من ثلاثة أو أربعة أو عشرة، هل يجوز أن تناجي تسعة دون العاشر، أو تناجي الثمانية دون التاسع؟ الجواب كلا، بل هو ربما أشد من ذلك، يعني: ذكرت الثلاثة في الحديث لأنه أقل ما يتصور فيه التناجي لكنه عام، لو كان في المجلس خمسة أشخاص فاجتمع أربعة على جنب يتكلمون سراً والخامس موجود ألا يعتبر هذا تناجياً؟

صلى الله عليه وسلم نعم.

وكذلك أيها الإخوة فإنه يجوز أن يتناجى جماعة دون جماعة؛ لأنه وقع في الحديث الصحيح من حديث ابن مسعود أنه قال: (فأتيته وهو في ملأ فساررته) فلو كان هناك جماعة وجاء واحد منهم وأسر في إذنك شيئاً، والبقية موجودون فلا حرج في ذلك كما ذكرنا آنفا.

هذه بعض الأحكام المتعلقة بالتناجي.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبا وإياكم المحرمات والمنهيات، وأن يوفقنا لاتباع دينه، والتأدب بآداب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015