ويقول ابن مسعود رضي الله عنه لما جاءه رجل يريد أن يدخل بينه وبين رجل آخر؛ لكزه في صدره وقال له: (ألم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان اثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما).
فالحكم الثاني من أحكام المناجاة: أنك يا أخي المسلم إذا رأيت اثنين يتناجيان فيما بينهما، وأنت لم تكن معهما وإنما دخلت عليهما الآن فإنه لا يجوز لك أن تدخل وتجلس بينهما، أو تقرب رأسك منهما حتى تسمع كلامهما، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (إذا كان اثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما).
قال ابن عبد البر رحمه الله: لا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما.
وقال في الآداب الكبرى: ويكره أن يدخل في سر قوم لم يدخلوه فيه، والجلوس والإصغاء إلى من يتحدث سراً.
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بمنع الرجل أن يدخل بين اثنين.
وهذا يعم عدم الدخول بينهما حتى ولو تباعد عنهما، حتى لو جلس بعيداً عنهما إلا بإذنهما، إذا قال: عن إذنكم أنا أدخل وأجلس في المجلس وهما يتكلمان، فأذنا له فيجلس بعيداً عنهما؛ لأنهما لما افتتحا حديثهما سراً وليس عندهما أحد دل على أن مرادهما ألا يطلع أحد على كلامهما، ويتأكد ذلك إذا كان صوت أحدهما جهورياً لا يتأتى له إخفاء كلامه ممن حضره، بعض الناس طبيعة صوته أنه مرتفع، فقد لا يستطيع أن يهمس همساً ويسر إسراراً فلذلك نهي عن الدخول بين المتناجيين، وقد يكون لبعض الناس قوة فهم، بحيث إذا سمع بعض أطراف الكلام استنتج فحوى الكلام كله، ولذلك لا يجوز الدخول على المتناجيين، أما المسألة الأولى التي تكلمنا عنها فإنه لا يجوز لاثنين أن يتكلما بحضرة رجل ثالث وهو موجود أصلاً.
ويقول عليه الصلاة والسلام في تأكيد المنع في هذه المسألة: (ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون؛ صب في أذنه الآنك) والآنك أيها الإخوة: هو الرصاص المذاب من شدة الحرارة، يوم القيامة يصب في أذنه الآنك وهو الرصاص المذاب؛ لأنه قد دخل في حديث رجلين يستسران بينهما بغير إذنهما، وهذا يبين خطورة التجسس والتنصت على أسرار المسلمين.