أيها الإخوة! إن الجليس له خطورة كبيرة على جليسه وتأثير بالغ، وبعض الناس قد أعطاهم الله قدرة في الإقناع وقدرة في الجذب، فقد يجذبك معه إلى سوء الضلالة والعياذ بالله، ويستطيع أن يتفنن في إغوائك وأن يضلك عن سبيل الله ومنهج الله، إن أناساً يستطيعون أن يجذبوا نفوس الناس، ويسحروا عقولهم ليردوهم في نار جهنم، إن هناك شياطين من الإنس كما أن هناك شياطين من الجن، قل لي من تجالس؛ أقول لك من أنت.
إذاً، كان الجليس عنوان جليسه، هذه هي النقطة الأولى، والشيء الثاني الذي يجعلنا على أن يكون جلساؤنا من أهل الخير والصلاح: حال السلف رحمهم الله تعالى عندما كانوا يبحثون عن جلساء الخير، وهذه القصة التي رواها الإمام البخاري رحمه الله تبين هذا المقصود: عن علقمة؛ وكان من كبار التابعين وأجلائهم، قال: قدمت الشام فصليت ركعتين في المسجد ثم قلت -انظروا أيها الإخوة كيف كان السلف يدعون الله، وبماذا كانوا يدعون الله، ثم قلت -بعد أن فرغ من تحية المسجد-: اللهم يسر لي جليساً صالحاً.
هذا كان دعاؤه، يذهب إلى المسجد إلى مظنة وجود الجلساء الصالحين، أين تجد الجلساء الصالحين؟ في الأسواق؟ في الدكاكين؟ في الشوارع وفي الطرقات؟ كلا.
إنك تجدهم في المجالس، إنك تجدهم في المساجد أولاً، فلتكن نقطة الابتداء من المسجد.
ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً من الناس -جالسين في المسجد- فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء الصحابي الجليل صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء، فقلت -يقول علقمة - فقلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسرك لي إلى آخر الحديث.
كانوا يدعون الله بشروط الدعاء المستجاب؛ فيستجيب الله لهم في الحال وييسر لهم جلساءً صالحين، فهذا الرجل التابعي رزقه الله بصحابي جليل ليجلس إليه ويستمع منه ماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ويقول.
الجليس -أيها الإخوة- له صفات كثيرة وله حقوق.
قال سعيد بن العاص رحمه الله تعالى: لجليسي عليَّ ثلاث خصال: إذا دنا رحبت به، وإذا جلس وسعت له، وإذا حدث أقبلت عليه.
لنا جلساء ما تمل حديثهم ألباء مؤملون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مسددا
بلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
هذه صفات جلساء الصلاح والتقوى.
وفقنا الله وإياكم لأن نجلس معهم وأن نجدهم ونتأدب معهم بآداب رسول الله عليه الصلاة والسلام.