أهل الصفة: أضياف الإسلام، هؤلاء أناس فقراء أسلموا، جاءوا من القبائل إلى المدينة، ما عندهم أهل ولا مال، ولا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، وكان عليه الصلاة والسلام إذا جاءه الرجل وله قريب في المدينة أو عريف نزل عليه، فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة، وكان أهل الصفة أناساً فقراء لا منازل لهم، فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره، أين مكان أصحاب الصفة الآن في المسجد النبوي؟ هل القبلة شمال البيت النبوي والقبر النبوي أو جنوب البيت النبوي؟ جنوب؛ لأن مكة جنوب المدينة، على الناحية الأخرى، أي: شمال القبر النبوي.
منبر النبي عليه الصلاة والسلام معروف، ومكانه موجود، وبيت النبي عليه الصلاة والسلام في حجرة عائشة التي دفن فيها صلى الله عليه وسلم ما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- لعله أراد تشجيع حلق الذكر في هذا المكان، وحلق الذكر من رياض الجنة.
والمكان هذا فيه فضل، وقد ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن ما بين البيت والمنبر روضة من رياض الجنة أي: على الحقيقة، وأن هذا المكان هو من الجنة، أو يكون هذا المكان في الجنة يوم القيامة.
كان النبي عليه الصلاة والسلام له حجرات، باب حجرة عائشة يفتح من جهة المنبر، وكذلك بيوت نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة كما قال: (ما من نبي يموت إلا دفن حيث يموت).
ودفن أبو بكر إلى جانبه وإلى جانبهما عمر رضي الله عنهما، ثم في العهود السابقة جاء من أدخل الحجرة في المسجد في عهد الوليد، وإلا لكانت الحجرات خارج المسجد، ولما جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى سداً لذريعة الشرك والبدع بنى جدراناً مثلثة حول القبر النبوي، وقبر صاحبيه، بحيث لا يستطيع أحد أن يستقبل القبر مع القبلة، جعلها بطريقة مثلثة سداً لذريعة الشرك، ولذلك لا يوجد الآن باب يدخل إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام، لأن بناء عمر بن عبد العزيز بناء مثلث مصمت ليس له أبواب لكنه مفتوح من الأعلى إلى القبة، وفي القبة فتحة إلى السماء، لكن القبة بنيت بعد ذلك، وأساء من أساء في علو النجارين على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ودق الخشب، ثم تركت على حالها إلى الآن، وإلا فإنه لا يجوز البناء على القبور ولا وضع القباب عليها.
لكن حجرة النبي عليه الصلاة والسلام مفتوحة ليس مبني عليها في الأصل، وكان القبر داخل الحجرة، ثم جاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله وبنى عليها ثلاثة جدران ليس لها مدخل، ثم جاء بعده من بنى سوراً ثانياً حول الحجرة ثم وضع القفص الأخضر، فهو محاط بثلاثة أسوار، ولا يمكن الدخول إلى القبر مباشرة، وإنما يأتي الإنسان بمحاذاة القبر فيقول: السلام عليك يا رسول الله، ثم يخطو خطوة، فيقول: السلام عليك يا أبا بكر، ثم يخطو أخرى، فيقول: السلام عليك يا عمر، وفي العصور السابقة جاء من أدخل جزءاً من الحجرة في هذه الأسوار، فجزء من الروضة (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) مأخوذ داخل القبر، وإلا فإن الروضة أوسع من ذلك، ما بين المنبر وبيت النبي عليه الصلاة والسلام روضة من رياض الجنة، فهذا الذي كان أبو هريرة يطوف بينهما ويقع مغشياً عليه من الجوع.
كان طريقهم إلى المسجد من البيوت، والآن زيدت التوسعة، وأزيلت كل البيوت القديمة، بل مدينة النبي عليه الصلاة والسلام كلها الآن زالت بالتوسعة، ولم يبق منها شيء، ومن العجائب أن الإنسان في القديم لو نظر من جبل أحد لا يمكن أن يرى المسجد النبوي؛ لأنه بناء محدود وحوله بيوت، وحول البيت مزارع ونخل، أما الآن فقد وسع المسجد توسعة كبيرة، وصار حوله ساحة كبيرة، ويغلب عليه اللون الأبيض من الخارج، فالآن يمكن أن يرى من جبل أحد.
ومن العجائب ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، بسند رجاله ثقات (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، فقال: يوم الخلاص وما يوم الخلاص! يوم الخلاص وما يوم الخلاص! يوم الخلاص وما يوم الخلاص! ثلاثاً، فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: يجيء الدجال، فيصعد أحداً، فينظر المدينة، فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض، هذا مسجد أحمد).
أي: يراه الدجال من جبل أحد، وهو الآن كذلك، فهذا يعني أن الساعة قد اقتربت، ومن قبل لم يكن المسجد النبوي يُرى من جبل أحد، والآن يرى، وفي الحديث (ثم يأتي المدينة -يحاول دخول المدينة - فيجد بكل نقبٍ ملكاً مصلتاً -أي: بيده سيف، لا يستطيع الدجال الدخول إلى المدينة، وهذه من ميزات المدينة، ولا يدخل الدجال مكة - مصلتاً فيأتي سبخة الحرف -وهي الجانب والطرف- فيضرب رواقه في تلك المنطقة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة، ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، فذلك يوم الخلاص).
هذا يوم الخلاص يوم يخرج منافقو المدينة وفساقها إلى الدجال ولا يبقى فيها إلا المؤمنون.