ويبين عليه الصلاة والسلام باباً آخر من أبواب الصدقة، فيقول: (إن السلف يجري مجرى شطر الصدقة) حديث صحيح رواه الإمام أحمد، وقال موضحاً: (من أقرض ورقاً مرتين كان كعدل صدقة مرة).
فأنت أيها المسلم إذا أسلفت رجلاً سلفاً، إذا أعطيته مالاً ديناً -مثلاً- ألف ريالٍ فكأنك تصدقت بخمسمائة والألف سترجع إليك، فلو أسلفتها لرجل مرة أخرى له أو لغيره، كان لك أيضاً أجر نصفها صدقة، فصار لك أجر المال كله صدقة لك والمال سيرجع إليك، وهذا يبين فضل إقراض الناس وفك أزمة المحتاجين بالإقراض.
إن قال قائل: هذه البنوك الربوية لا تقرض إلا بالربا ونحن نحتاج مالاً، من الذي يقرضنا مثلاً بمثل دون زيادة؟ وما هو الدافع على إقراض الناس للناس إذا كانوا لا يأخذون فوائد ربا، الربا مهم لأجل إقراض الناس وفك الأزمات؟ فنقول: هذا في شريعة الكفرة لا في شريعتنا، أما شريعتنا فإن الحوافز على إقراض الناس للناس موجودة، في شريعتنا لا نحتاج إلى ربا، لا نحتاج إلى فوائد زعموا، في نار جهنم يأكلونها في بطونهم يوم القيامة، فإن في شريعتنا الحث على إقراض المحتاج من المال، ومن يقرض أخاه المسلم كان له من الأجر نصف ما أقرض صدقة، هل سمعت بفائدة خمسين في المائة؟ وأي بنك يعطيك ذلك؟ فاعلم بعد ذلك أن الإسلام قد أوجد الحل لمشكلة الإقراض بأبواب من الأجر أخروية ليست في الدنيا، فجعل في الإقراض الأجر العظيم، فمن أقرض مسلماً قرضاً كان له شطره صدقة، فكأنه تصدق بنصف المال ترغيباً للناس في إقراض الناس، فتنحل هذه الأزمة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (من منح منحةً غدت بصدقة وراحت بصدقة صبوحها وغبوقها) وفي رواية للبخاري: (نعم الصدقة اللقحة، الصفي منحةً، والشاة الصفية منحةً، يغدو بإناء ويروح بإناء) تصور لو أنك تصدقت بشاة حلوب كان الإناء الذي يذهب به في أول النهار (شرب أول النهار الصبوح) والإناء الذي يشرب في أول الليل ويحلب من هذه الشاة وهو الغبوق، كل إناء يروح بصدقة في أول النهار، وكل إناء يغدو منها بصدقة.
فإذاً، أبواب الصدقة كثيرة، فمن الذي يتحفز ويتحمس لولوج هذه الأبواب الخفية التي قد يغفل عنها الناس؟! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من التوابين والمتطهرين، ونسألك أن تجعلنا من المتصدقين الذين يلجون أبواب الصدقة فيؤجرون عليها يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.