الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين.
عندما نقارن أيها الإخوة بين التصورات والمفهومات القرآنية وبين واقع المسلمين، عندما تقارن وتفكر في عمق القرآن وهذه التصورات القرآنية، ومحبة الله لعباده المؤمنين ينبههم ويحذرهم ويوعيهم ويبين لهم سبيل الهداية، ويحذرهم من الكفار ومن طرقهم، وبعد ذلك تجد المسلمين في غفلة وفي نوم تستغرب، ويأخذك العجب، وتقول في نفسك: يا ترى لمن أنزل هذا الكتاب؟ من هم المعنيون به؟ ومن المفهومات الأخرى التي نختم بها حديثنا في هذه الخطبة مفهوم الفرق بين قتال المسلمين للكفار وقتال الكفار للمسلمين، وهذه الآية نزلت ووردت في القرآن بعد آية الخوف، ولذلك فالرابط بها قوي، يقول الله عز وجل منبهاً العباد المسلمين الذين يقاتلون ويجاهدون، هم يجرحون ويقتلون ويألمون في القتال، أليس كذلك؟ إن هذا يحصل للمسلمين ويواجهون الشدائد والمصاعب، ويتغربون عن أهلهم، يواجهون مصاعب كثيرة جداً، ولكن عندما تقرأ هذه الآية تجد أن البلسم القرآني ينزل برداً وشفاءً على أولئك الذين يجاهدون في سبيل الله: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104] إن كنتم تألمون أيها المسلمون؛ فإن الكفار يألمون كما تألمون، ويصيبهم الجراحات والقتل والمصائب كما تصيبكم، ولكن ما هو الفرق الجوهري؟ ما الذي يدفع المسلم إلى البذل وإلى العطاء وإلى التقدم والتضحية؟ إنه قول الله عز وجل: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104].
تأمل يا أخي في هذه الآية: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104] ولكن: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] أنتم تنتظرون جنة عرضها السماوات والأرض، تنتظرون الحسنيين: النصر في الدنيا الذي وعدكم الله، والجنة في الآخرة، هم لا ينتظرون، لا يوجد أحد وعدهم بالنصر إذا طبقوا شروط النصر، بل قد يطبقون شروط المعركة ثم ينهزمون كما حدث لأقوى الدول.
ثانياً: لا أحد وعدهم بفوز في الآخرة، هذا مقتصر على المسلمين، فإنكم أنتم ترجون من الله، انظروا أيها الإخوة كيف يدفع القرآن المسلم دفعاً إلى العمل، كيف يهون عليه الشدائد، كيف يقول له: ضحِ وتقدم وجاهد؛ لأنك ترجو من الله ما لا يرجو أولئك.
إذاً أنت أحق بالجهاد من الكفار، أنت أحق بالمواجهة من الكفار، لأنك ترجو من وراء عملك شيئاً لا يخطر لهم على بال ولا يتوقعونه ولا ينتظرونه، هذا مثال كيف القرآن يربي النفوس؟ كيف القرآن يرفع المسلم إلى مستويات عليا؟ هذا الذي أعرضنا عنه نسأل الله أن يعيدنا إليه.
اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، اللهم اجعلنا ثابتين على الحق شرعة ومنهاجاً، اللهم اجعلنا من الذين يعودون إليه ويفيئون، اللهم اجعلنا ممن يبطل الباطل ويعادي أهله، اللهم اجعلنا من الموالين لك ولدينك ولشريعتك ولعبادك الصالحين، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم إنا نعوذ بك من حميمها ويحمومها وغسلينها وغساقها، اللهم أعتق رقابنا منها ونجنا منها برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انقلنا من ضيق اللحود ومواطن الدود إلى جنات الخلود، اللهم ارفع منازلنا في الجنة، اللهم واجعلنا ممن يصاحب نبيك وصحابته فيها يا رب العالمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وصلى الله على نبينا محمد.