ومن الأدلة الدالة على وجوب مخالفة اليهود والنصارى في أعيادهم وعدم مشاركتهم فيها البتة، قول الله عز وجل: ((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)) [الفرقان:72] فهي صفة مهمة من صفات المؤمنين: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72].
قال محمد بن سيرين: هو عيد الشّعانين عند النصارى، عيد يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصل، ويحتفلون فيه بحمل السعف، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول بيت المقدس.
فانظر إلى ارتباط العيد عندهم بقضية دينية وليست قضية عادات وتقاليد.
وقال مجاهد: الزور أعياد المشركين.
وكذا قال الربيع بن أنس.
وقال عكرمة: لعبٌ كان لهم في الجاهلية مؤقت بأوقات معينة.
وعن الضحاك قال: عيد المشركين.
وقال بعضهم: لا يشهدون الزور أي: لا يمالئون أهل الشرك على شركهم، ولا يخالطونهم.
فإذاً هذه الآية: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] نص صريح في عدم جواز مشاركة الكفار في أعيادهم، وإذا كان الله قد قال: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ} [الفرقان:72] مجرد الشهود والحضور لا يجوز، فكيف بالمشاركة والممارسة معهم لأحوال ذلك اليوم وذلك العيد! وانظر كيف سماه الله زوراً، وهذا من أدلة التحريم: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] فسماها زوراً، وروى أبو داود عن أنس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولأهل المدينة يومان من أيام الجاهلية يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) إسناده صحيح على شرط مسلم.
والإبدال يقتضي ترك المبدل، فبدلهم الله بهذين اليومين يومين آخرين هما الفطر والأضحى، وهذا يقتضي ترك الأيام السابقة، وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً بـ بوانة -موضع قريب من مكة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيهما وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) بعد أن تأكد بأنه ليس في هذا الموضع مكان لعيد للكفار ولا وثن من أوثانهم، وإسناده صحيح على شرط الشيخين وأصله فيهما.
فإذا كان صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح في مكان العيد مع أنه قد لا يكون في ذلك الوقت عيد، لكن مجرد أن هذا المكان يجتمعون فيه يوماً من الأيام لا يجوز الذبح فيه؛ لعدم إحياء تلك البقعة؛ لأن المشركين يعيدون فيها، فكيف بمن وافقهم في نفس العيد؟ وكيف بمن فعل معهم بعض الأعمال التي تفعل في عيدهم؟ وبهذا الحديث يتبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً أشد الحرص على طمس أعياد الكفرة وإزالتها، ودرسها وعدم إحيائها البتة، واقتلاعها من جذورها.
والعيد أيها الإخوة! عندنا وعند غيرنا، مع ما فيه من صلاة أو ذكر أو نسك، يجتمع معه عادات مثل التوسع في الطعام واللباس واللعب، فإذاً ليس العيد قضية فرح وتوسع باللباس والمأكل والهدايا فقط، وإنما هو مرتبط بالعقيدة وبالدين وبالملة.
ومن الأدلة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل أبو بكر عليه يوم العيد وجد عنده جاريتان تغنيان في بيت رسول الله، فنهرهما أبو بكر فقال: (دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا) عيدنا نحن مختص بنا، ولكل قوم عيد مختص بهم.
هذا دليل آخر على تميز المسلمين بأعيادهم وعدم مشاركة الكفرة، وبالمناسبة أقول: احتج بعض التافهين السفهاء بجواز الأغاني والمعازف الموجودة والمنتشرة بهذا الحديث، من الذي كان يغني؟ جاريتان صغيرتان، هل ورد في الحديث أن معهما معازف؟ كلا، إذاً هو بالصوت لبنتين صغيرتين، كلام طيب وإلا ما وافقه رسول الله، كلام طيب لبنتين صغيرتين بدون معازف، هل يدل على هذه الأغاني الموجودة الآن؟ اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
وكذلك حديث: (فإن الله أضل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة) رواه مسلم.
ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن إفراده بالصوم لما فيه من معنى العيد.