الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: إخواني: إن الله سبحانه وتعالى يرسل علينا الآيات لنتعظ ونتدبر، ويُحدث لنا من الأحداث ما يجب علينا به أن نتعقل ونتفكر، ونحن أمة لا يصح لها أن تنسى تاريخها، ولا الأحداث التي ألمت بها، وإن كثيراً من الناس عن لقاء ربهم لغافلون، وأكثرهم عن الاعتبار بما يحدث من حولهم لاهون معرضون، وقد تكلمنا في الخطبة الماضية عما ألم ببعض المسلمين من الكوارث التي أنزلها الله لحكمة.
ونتكلم أيضاً لكي لا نكون غافلين عن بعض ما يتعلق بهذا الأمر من العبر والعظات؛ لأنه لا يصح لنا أن ننسى ما حدث في الأمس القريب، ولابد أن نظل على اعتبارٍ واتصالٍ بما يشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون في ملكه؛ لكي تبقى القلوب حية والأفئدة بذكر الله عامرة والنفوس بالعبر قائمة، قد يقول بعض المسلمين: لماذا يُنزل الله كارثة بالمسلمين؟ لماذا تحل بهم الحروب وتنزل بهم المصائب وتُرسل عليهم الزلازل وهم مسلمون؟
صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة! إن هذا الكون ملكٌ لله سبحانه وتعالى يتصرف فيه كيف يشاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] إذا شاء الله أمراً كان، وما لم يشأ لم يكن، وكثيرٌ من الناس عن قضية مشيئة الله غافلون، ما يشاء الله لابد أن يحدث، وكل أمرٍ يحدث لحكمٍ يعلمها سبحانه وتعالى، وأمر المشيئة أمرٌ عظيم، والمشيئة واردةٌ في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ في نصوص كثيرة تدل على مشيئته النافذة سبحانه وتعالى.
يختص برحمته من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويجتبي من رسله من يشاء، يخلق ما يشاء، ينفق كيف يشاء، ويتوب الله على من يشاء، ويُسمع من يشاء، ويُدخل في رحمته من يشاء، ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ} [الأعراف:128] يمحو الله ما يشاء ويثبت، وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، وربك يخلق ما يشاء ويختار، كذلك الله يفعل ما يشاء: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} [الرعد:13] كما قال الله عز وجل.
هذه النصوص تدل على مشيئة الله النافذة وأنه يفعل ما يشاء، هذا ملكه، وهؤلاء عبيده، مهما فعل بهم فإنه لا يسأل عن ذلك سبحانه، ولا يعترض على قضائه، ولا يقال: يا رب! لم أنزلت كذا؟ ولماذا فعلت بنا كذا؟ وماذا فعلنا لأجل أن تفعل بنا كذا؟ ما جاءنا وما حل بنا فبما كسبت أيدينا وبمشيئته سبحانه، لا اعتراض على فعله، مهما كان ومهما حصل، ومهما حدث، فإن هؤلاء الناس والعبيد ملك لله، ومهما نزل من الحروب، ومهما حل فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي قدره، وهو الذي شاءه، قال الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253] بعض الناس يقولون: إن بعض الحروب التي حلت قد أخرت المسلمين إلى الوراء كثيراً، وتسببت في تسلط الكفار بمزيد، فنقول: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253].