كان عمر رضي الله عنه مهيباً، هيبة تفتقدها كثير من شخصيات المسلمين اليوم، لأن الله نزع منهم الهيبة، فلا يُهابون، ونزع الله من قلوبهم خوفه، فصاروا يخافون من الناس، كان عمر شخصية رفيعة يهابه الناس فيرتعدون منه، ومن ذلك ما حصل لما استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جواري قد علت أصواتهن على صوته، فأذن له عليه الصلاة والسلام، فبادرن الحجاب -هربن فذهبن- فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال: (أضحك الله سنك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، ما الخبر، علام تضحك؟ قال: عجبت لجوارٍ كن عندي، فلما سمعن حسك بادرن فذهبن، فأقبل عمر عليهن من وراء حجاب فقال: أي عدوات أنفسهن، والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تهبن منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن عنك يا عمر! فوالله ما لقيك الشيطان بفجٍ قط إلا أخذ فجاً غير فجك).
هذا الرجل المهيب، هذا الرجل العظيم الشديد في دين الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عن أصحابه: (أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم بأمر الله عمر) هذا الرجل الشديد المهيب لما تولى الخلافة ظهرت المعاني التي كانت مخبوءة في نفسه، معاني الشفقة والعفو والإحسان والرحمة، لقد كان رحيماً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، لكن لما ولي الخلافة ظهرت رحمته أكثر، هذا الرجل الذي جمع في شخصيته بين الهيبة والرحمة، وبين الشدة في دين الله والرقة حتى كان يبكي عندما يتلو القرآن، ويمرض من قراءة القرآن الكريم أحياناً، فيعاد من مرضه الذي حصل بسبب تأثره بالقرآن.
ليست الهيبة -يا أيها الناس! - أن يكون الإنسان صلفاً فظاً غليظ القلب، ليست الهيبة أن يكون متعجرفاً قاسياً، وإنما الهيبة في مكانها محمودة، هذا الرجل الذي شهد التاريخ بفضله ورحمته لرعيته، هذه هي القيادة المثلى التي خلفها النبي صلى الله عليه وسلم من بعده من أصحابه.