ومن الفتاوى في هذه المسألة: غلَّ رجل من الغنيمة، جيش غزا وواحد من الناس أخذ من الغنيمة قبل أن تجمع وتقسم، سرق من الغنيمة ثم تاب فجاء بما غله إلى أمير الجيش، فأبى أن يقبله منه، وقال: كيف لي بإيصاله إلى الجيش، أمير الجيش قال: لا.
هذه القصة حصلت أيام السلف، قال أمير الجيش: كيف آخذه وقد وزعنا الغنائم؟ ولو وزعته الآن كيف أجمع الجيش مرة أخرى وقد تفرقوا وأوزعه عليهم؟ وربما كان شيئاً لا يتوزع، فرفض أخذه، فأتى هذا الشخص الذي غلَّ أتى حجاج بن الشاعر، فقال له هذا الشيخ: يا هذا إن الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم فادفع خمسه إلى صاحب الخمس وتصدق بالباقي عنهم، تصدق عنهم وانو هذه الصدقة لأفراد الجيش، ففعل فلما أخبر معاوية قال: لأن أكون أفتيتك بذلك أحب إلي من نصف ملكي، يعني: من شدة ما أعجبه من الفتوى.
وقال ابن القيم رحمه الله: ولقد سئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه، سأله شيخٌ فقال: هربت من أستاذي وأنا صغير -ما معنى أستاذي؟ أستاذي كانت تطلق على مالك العبيد أو صاحب العمل أو رئيس الخدم في الماضي، من إطلاقاتها، وأيضاً تطلق على العالم الكبير، ولذلك الشافعية عندهم أبو إسحاق يلقب بالأستاذ عند الشافعية- فقال: هربت من أستاذي وأنا صغير، وإلى الآن لم أطلع له على خبر، -عبد هرب من سيده، الآن كبر وصار عمره خمسين أو ستين سنة ويريد أن يتوب، لكن ما وجد السيد، بحث عنه فلم يجده كيف يكون- وأريد براءة ذمتي وقد خفت الله عز وجل، وأريد براءة ذمتي من حق أستاذي من رقبتي، يعني: أنا ما زلت ملكاً له، وقد سألت جماعة من المفتين فقالوا لي: اذهب فاقعد في المستودع -ما دمت لم تجده- فاذهب اجلس هناك، فضحك شيخنا ابن تيمية رحمه الله، وقال: تصدق بقيمتك أعلى ما كانت عن سيدك، ولا حاجة لك بالمستودع تقعد فيه عبثاً في غير مصلحة، إضراراً بك وتعطيلاً عن مصالحك، ولا مصلحة لأستاذك في هذا ولا لك ولا للمسلمين، أو نحو هذا الكلام.
ولو أن زانيةً أخذت أموالاً على الزنا أو مغنياً أخذ أموالاً على الغناء، أو بائع خمر مثلاً، أو رجلاً يتاجر بالمخدرات أخذ أموالاً على تجارته، أو شاهد زور أخذ مقابلاً، فهل هذه الأموال أموال حلال أم حرام؟ إنها حرام، فإذا كانت معهم الآن فيجب عليهم إخراجها، يتخلصون منها.
وهل ترجع الزانية للزاني ماله؟ والذي اشترى الخمر يرجع إلى تاجر الخمر ماله؟ والذي شهد الزور يرجع للذي رشاه حتى يشهد الزور ماله؟ وهل يرجعون المال إليهم؟
صلى الله عليه وسلم لا.
أولاً: فيه إعانة لهم على المعصية.
ثانياً: جمعوا لهم بين العوض والمعوض وهذا غير ممكن.
فلذلك ماذا يفعلون به؟ يتصدقون به، ويتخلصون منه.
ولو أن إنساناً اختلط ماله الحلال بماله الحرام وتعذر عليه تعيينه فإنه يقدر كم الحرام هل بقدر خمسين بالمائة من المال أو ثلاثين بالمائة أو عشرين بالمائة ويتخلص منه.
وإذا قم مرتش بأخذ رشوة، فينظر هل أخذها والراشي له حق أو أنه ليس له حق؟ فإن كان للراشي حق ولا وسيلة لتحصيل الحق إلا دفع الرشوة فدفعها، والآن المرتشي تاب فماذا يفعل بالمال؟ يعيده إلى صاحبه، لأنه دفعه مرغماً في تحصيل حق له، فإن كان المرتشي قد أخذ المال من الراشي بغير حق، يعني: الراشي ليس له حق ودفع رشوة لتحصل مكاسب، فهل يعيده إليه؟ لا.
وإنما يتصدق به.
هذه طائفة من الأحكام المتعلقة بالتوبة لعلها تكون قد أجابت عن بعض الأسئلة في أذهان بعض الإخوان، وعلى العموم نسمع الآن بعض الأسئلة.