كذلك أن الشبه التي عند الكفار قد تكون عظيمة وأنهم يقتنعون بآلهتهم قناعة شديدة، وأن المرأتين ولولتا، فالمسألة عندهم وصلت إلى أنه كيف يقول هكذا عن الآلهة؟! فاعتقادهم في الآلهة اعتقاد كبير، ولذلك قال: (فانطلقتا تولولان ثم قالتا للرسول صلى الله عليه وسلم: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم) وجلستا تقولان: (لو كان ها هنا أحد من أنفارنا).
فإذاً لا تظنوا أن السخافة التي نرى بها أصنام الجاهلية ومنطقهم ومعتقداتهم هم ينظرون إليها بنفس المنظار، فنحن قد أنعم الله علينا بالإيمان فقد نرى أن شبههم تافهة، لكن في منظارهم هم القضية أن هذا حق، وأنه كذا، وكيف يُنْتقص ولا بد من الدفاع عنه، فال الله عنهم: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:68] {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6] لا بد أن نصبر على الآلهة، ولا بد أن ندافع عنها، هكذا ينظرون، ولذلك من الخطأ أن تأتي إلى شخص عنده شبهة وتقول: ما هذا الشيء التافه الذي أنت مقتنع به، فهذا لا يصلح؛ لأنه هو ما يرى أنه تافه، وهذا لا يعتبر رداً.
وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغشى أماكن التجمعات التي قد يوجد فيها أناس يأتون للتوحيد، مثل ما فعل علي بن أبي طالب مع أبي ذر رضي الله عنه.
وهنا نقطة نحب أن نذكرها: لماذا وضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده على جبهته لما قال أبو ذر: من غفار؟ لأنهم كانوا قطاع طرق، يقطعون الطريق على الحجيج ويسرقونهم بالمحجن، وهو شيء مثل العكاز، أي: أن قبيلة غفار كانوا مشهورين بقطع الطريق على الحجيج وسرقة الحجاج، مع أن الحجاج كانوا مشركين لكن وصل بهم السوء إلى هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم فعل حركة عفوية كيف يأتي رجل من الناس الذين يسرقون الحجاج؟! وكأنه أراد أن يستوثق منه أكثر، فقال: (متى كنت هاهنا؟ ومن كان يطعمك؟) حتى توثق منه صلى الله عليه وسلم، ثم كلمه عن الإسلام.