وهناك هجرتان: هجرة عارضة، وهجرة دائمة.
فالهجرة العارضة هي هجرة الجسد، فـ ابن القيم -رحمه الله- يتعجب من بعض الفقهاء أو من بعض المؤلفين الذين يركزون على الهجرة العارضة، وهي هجرة الجسد، ويذكرون الفروع والأحكام المتعلقة بها، ويوسعون فيها المسائل، وربما لن تمر على بعض الناس مطلقاً ولا مرة واحدة، وربما أنت في حياتك لا تحتاج إلى هذه الهجرة، في الوقت الذي يفوتون ويغفلون الكلام عن الهجرة الدائمة الواجبة على مدى الأنفاس، وهي هجرة القلب.
ولذلك يعد ابن القيم بحق من العلماء الذين تكلموا في الفقه والأحكام، وتكلموا -أيضاً- في القلوب.
أي: هناك توازن كبير بين كلامه في الفقه وكلامه في أحكام القلوب وأحكام الحلال والحرام، وهنا يريد أن يتوصل ابن القيم إلى شيء مهم، لما كان في عهده صنم الفلسفة وعلم الكلام قائماً، وطاغوت التعصب المذهبي موجوداً، وكانت هذه الأوثان تُعبد من دون الله؛ علم الكلام والفلسفة، والتعصب المذهبي، منكران شائعان في عصره فكيف يستطيع ابن القيم وهو الداعية أن يحرر الناس من عبادة هذه الأوثان؛ وثن الفلسفة، ووثن التعصب المذهبي؟ طرح مفهوم الهجرة هنا لأجل أن يقول: أنتم أيها الواقعون في البدعة أو في الأخطاء بسبب تعصبكم المذهبي، متى يمكن أن تتركوا التعصب المذهبي أو البدع إلى السنة واتباع الدليل؟ يجب عليكم أن تهاجروا من البدعة إلى السنة، وتهاجروا من التعصب إلى اتباع الدليل، وتهاجروا من علم الكلام والفلسفة إلى طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يمكن أن تهاجروا حتى تكون السنة والدليل الصحيح أحب إليكم من المذاهب، وإذا ما حصل هذا فلن تفعلوا ذلك.