الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ففي هذه السلسلة الجديدة -أيها الإخوة- من قصص الصحابة في عهد النبوة، نتناول واحداً من المؤمنين الموحدين الذي ربما يدخل في شرط هذه السلسلة، وربما لا يدخل، ولكنه -على أية حال- رجل من الموحدين ينبغي التعريف به، ومعرفة سيرته التي اعتنى الإمام البخاري رحمه الله تعالى من بين أصحاب الكتب التسعة جميعاً بذكر سيرته، حتى لا يكاد يوجد في كتابٍِ غير صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل مثل هذه الروايات المجموعة، وهذا الرجل هو زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله تعالى ورضي الله عنه وأرضاه.
روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدم له النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض؛ ثم تذبحونها على غير اسم الله!!) إنكاراً لذلك وإعظاماً له.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: [أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه -قبل البعثة النبوية- فلقي عالماً من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلِّي أن أدين بدينكم فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً، وأنى أستطيعه! فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم؛ لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله، فخرج زيد، فلقي عالماً من النصارى، فذكر مثله، فقال النصراني: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله، قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئاً أبداً، وأنى أستطيع! فهل تدلني على غيره، قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم؛ لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولا يعبد إلا الله، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام، خرج، فلما برز رفع يديه، فقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم].
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: [رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائماً مسنداً ظهره إلى الكعبة، يقول: يا معشر قريش! والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها].
هذا الرجل زيد بن عمرو بن نفيل هو والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وزيد بن عمرو بن نفيل هو ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، كان ممن طلب التوحيد، وخلع الأوثان، وجانب الشرك، لكنه مات قبل البعثة النبوية.
قال زيد بن عمرو: إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبياً من بني إسماعيل يبعث ولا أراني أدركه -هذا إحساسه- وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي.
فمن قبل البعثة يشهد أنه نبي؛ لأنه قد علم أنه سيبعث، لكنه ما بعث، فأشهد الله والناس أنه يؤمن ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرفه.
قال زيد بن عمرو لـ عامر بن ربيعة: "وإن طالت بك حياةٌ، فأقرئه مني السلام".
أنا أحس يا عامر أني لن أدركه، فإذا أدركته أنت، فأقرئه مني السلام.
قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره، قال: فرد عليه السلام وترحم عليه، وقال: (ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا) مما أسبغ الله عليه من الثياب والنعيم.