الموعظة

الموعظة: من أكبر أسباب الهداية الذي يفتح الله عليه فيحسن الوعظ، ويعرف المدخل إلى القلوب، هذه المسألة -أيها الإخوة- تحتاج إلى تمعن في الآيات التي يكون فيها وقع شديد على النفوس في الأحاديث التي فيها تذكير، القرآن كله لا شك حِكَم، كله مفيد، ليس هناك شيء في القرآن غير مفيد أبداً، لكن هناك آيات تؤثر أكثر من آيات لا شك، والآيات التي فيها -مثلاًُ- ذكر الجنة والنار، أو موقف الحساب تؤثر أكثر من الآيات التي فيها ذكر أحكام التيمم والوضوء، وقسمة المواريث، ونحو ذلك.

ولو أن تلك قد تكون سبباً في الهداية، ربما بعض الناس الذين يدرسون الاقتصاد، أو الأشياء المالية، إذا تمعنوا فيها، أو بعض الأطباء إذا تمعنوا في الآيات التي تصف الجنين في الرحم، قد تكون سبب هدايتهم، لكن أقول: عادةً الآيات التي فيها ذكر الجنة والنار وموقف الحساب إذا انتقيت وقرئت بطريقة خاشعة من قلب صادق، أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما اهتدى بعض الناس بسبب حديث البراء بن عازب في تفصيل عذاب القبر وفتنة القبر، اهتدوا من هذا الحديث بسبب قراءة الحديث عليهم، فانتقاء هذه الأشياء والوعظ الذي يخرج من القلب من أكبر الأشياء التي تسبب الهداية، ولذلك من النوادر التي يذكرونها عن بعض الناس الذين لا يفهمون، أنه قرئت عليه آيات كثيرة في بعضها ذكر الجنة والنار، فما تحرك، ولما قرأ قارئ: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً} [البقرة:222] جلس يبكي، قال: يعني: أذى.

إذاً بعض الناس عندهم خلل في الفهم، ولذلك انتقاء الأشياء لهم مهم، وفي بعض الأحيان يتأثر الأعاجم من تلاوة آيات القرآن مع أنهم لا يعرفون العربية، وهذا من تأثير القرآن وعظمته.

ذكر أحد الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أنه سافر مرة على باخرة من مصر إلى نيويورك، والرجل هذا لم يكن ملتزماً بحق، لكن فيه خير، فيه شيء من المعرفة بالدين والحرص على الدين مع أنه لم يكن كامل الاستقامة وقتها، قال: وكنا مجموعة قريباً من عشرين شخصاً، كلنا مسلمون في وسط مائة وكذا من الكفار، قال: فخطر في بالي أن نقيم صلاة الجمعة على ظهر السفينة، وأنا لا أتحدث الآن عن حكم إقامة صلاة الجمعة على ظهر السفينة في السفر البحري، لكن أروي لكم القصة ويهمنا العبرة منها، قال: فاستأذنا من قبطان السفينة، فوافق، وكان في السفينة عمالٌ نوبيون مسلمون، فاستأذنا لهم في حضور صلاة الجمعة معنا، فأذن لهم لمن لم يكن مشغولاً منهم في نوبته، وفرحوا؛ لأن تلك كانت هي أول مرة يحضرون فيها صلاة الجماعة منذ سنين طويلة، قال: فاجتمعنا وقمت فيهم خطيباً، فخطبت بهم بما تيسر، وقرأت بعض آيات القرآن، ثم أقمنا الصلاة وصليت بهم صلاة الجمعة، ووقف الركاب الكفار بالسفينة -أغلبهم- يحيطون بنا وينظرون بدهشة إلى ما نفعله، فلما انتهينا من أداء الصلاة، جاءوا يهنئوننا على نجاح القداس، ظنوا المسألة مثل مسائل النصارى، فشرحنا لهم المسألة، ثم جاءت امرأة كبيرة ذات ملامح أوروبية، جاءت تهنئنا بشدة على نجاح القداس، وعلى بلاغة القسيس الذي ألقى الكلمة، فشرحنا لها أنه لا يوجد في الإسلام قسيسون، وإنما هو الإمام الذي يخطب، أو يصلي بالناس، فقالت: ليس هذا الذي أثر في الذي أثر فيَّ جداً من موقفه، تقول: أنني سررت بالكلام، لكن كانت هناك مقاطع معينة في كلامه شعرت أن لها وقعاً خاصاً في النفس، وتأثرت بها حتى بكيت، إنها مقاطع تختلف عن بقية كلامه، كأنه شيء روحاني، طبعاً هي كافرة تعبر عما في ذهنها، قال: فلم يكن اندهاشنا من تأثرها، لكن كان اندهاشنا عندما تفكرنا في معنى ما تقول، وما هي الأشياء التي لفتتت نظرها وأثرت فيها إلى حد البكاء في الكلام، ثم تفطنا إلى أنها تقصد الآيات القرآنية التي كان الخطيب يرددها، والتي قرأها الإمام في الصلاة.

إذاً ممكن أن بعض الأعاجم يتأثرون من سماع الآيات لعظمة هذا القرآن، ولأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وهنا درس يؤخذ من هذه القضية وهو أهمية إعلان الشعائر الإسلامية، والهجرة تجب إذا لم يستطع الشخص إظهار الشرائع الإسلامية، ولكثير من الفوائد والحكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015