سادساً: لا يعمل بالفتوى حتى يطمئن لها قلب المستفتي، قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه وحاك في صدره من قبوله وتردد فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (استفت نفسك وإن أفتاك المفتون) فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولاً؛ ولا تخلصه فتوى المفتي من الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه.
واحد يعلم أن الأمر في الباطن حقيقة خلاف ما أفتى المفتي، لشكه فيه، أو لجهله، فلا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، فلو أن رجلين ذهبا إلى قاض، واحد محق وواحد مبطل، لكن الذي على الباطل، ألحن وأقدر على التعبير والإقناع، فأقنع القاضي، فحكم له القاضي، هل حكم القاضي يجعل المال حلالا له؟!! لا، لا يجعل المال حلالاً له، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ومن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار) ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه الحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف في الفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بالفتوى، وسكون النفس إليه.
فإذا كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي، فعليه أن يسأل الثاني والثالث حتى تحصل له الطمأنينة، فإذاً المثل العام الذي يقول بعض الناس "ضع بينك وبين النار شيخاً" أو "ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم"، أي: اسأل واحداً، وإذا أفتاك فامش عليها، فإذا كان العامي (الشخص السائل) يعلم أنه ليس بأهل، أو أنه لم يفهم السؤال، أو أنه أخفى عليه أشياء، وأفتى المفتي بناء على الجزء المقدم إليه، فلا يجوز للعامي أن يعمل بهذه الفتوى، لكن لو وضح القضية، وأجاب عنها العالم الثقة، فلا يصح أن يخرج عنها بدون شيء شرعي يجب عليه أن يلتزم مادام سأل وعرف الجواب، يجب أن يلتزم ولا يتهرب، لكن إذا كان يعلم أن الأمر الذي أفتى به المفتي بحلاف الحق، فلا يجوز له أن يقول: والله مادام فلان قد أفتى فيها، إذاً فقد برئت ذمتي وعهدتي، لا يجوز له ذلك.