كذلك من العلوم -أيضاً- التي نبه ابن رجب رحمه الله على إحداثات فيها، قال: (ومن ذلك -أعني: محدثات العلوم- ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية وردوا فروع الفقه إليها، وسواء خالفت السنن أم وافقتها؛ طرداً لتلك القواعد المقررة).
إذاً: أنتم وضعتم قاعدة عقلية، ثم حكمتم النصوص، وأرجعتم فروع الفقه بناءً على القواعد، فقد يأتي استثناء، لأن السنة فيها استثناءات.
مثلاً: بعض أنواع اللحوم المحرمة ما عرفناها إلا من السنة، فلو قلت مثلاً: كل آكل للعشب مباح، فما رأيك بالحمار؟ يأكل العشب لماذا حرام؟ ما حكمه؟ يقول على قاعدتي: هو حلال، وقد ورد في السنة تحريمه، والحمار الأهلي بخلاف الحمار الوحشي، أو لو جاء من قال: كلهم حمير، والشارع فرق بين الحمار الأهلي والحمار الوحشي، فأنت لا بد أن تفرق بينهما، فإما أن تجمع بين ما فرقه الشارع أو تفرق بين ما جمعه الشارع على قاعدتك وإلا فلا.
لماذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من أعلاه] ليس كل الأحكام تجري على عقولهم، الضبع قد أبيح في السنة، مع أن له أنياب.
إذاً ننتهي ونتوقف ما دام قد ثبتت إباحته، وكذلك ما دام قد ثبت تحريم لحم الحمار الأهلي نؤمن به ونسلم.
بعض فقهاء أهل الرأي كان من خطئهم أنهم وضعوا ضوابط وقواعد عقلية وردوا فروع الفقه إليها، غير آبهين هل وافقت السنة أم لم توافق السنة؟ أما الأئمة والفقهاء من أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان، إذا كان معمولاً به عند الصحابة ومن بعدهم فإنهم يعملون به.
وأما ما لم يعمل به الصحابة، فإنهم لا يعملون به؛ لأنه بالتأكيد عندهم منسوخ، ولكننا ما عرفنا أنه منسوخ.
إذاً: القاعدة هي: العمل بالحديث الصحيح ما دام الصحابة قد عملوا به، وهذا ينفي لك الأحاديث الشاذة التي قد يظن بعض الناس أنها صحيحة وهي ليست كذلك.
وهناك قسم من الأحاديث الشاذة إسناده صحيح، لكنه حديث شاذ، فبعض الناس الذين يدّعون السلفية، ويقولون: نعمل بالحديث الصحيح، ولو قلت له: ما معنى الصحيح؟ يقول لك: ابحث عنه في تقريب التهذيب إذا كان رجاله ثقات أو لا بأس بهم فهو حجة ونعمل به.
وما رأيك في قضية المتن؟ وكلام العلماء في المتن؟ لا تنظر إليه!! إذاً: هنا يُوجد عند بعضهم نقصٌ في العلم يؤدي بهم إلى اتهام الصحابة والسلف.