والتوسع في علم الأنساب كما ضرب ابن رجب رحمه الله تعالى مثلاً في قضية العلوم المشغلة عما هو أهم منها، لكن إذا كان منها فائدة فتتعلم.
أحياناً يكون منها فوائد، مثلاً: حسان بن ثابت لما أراد أن يهجو المشركين، سأله النبي صلى الله عليه وسلم: كيف سيخلص نسبه من بينهم؟ حتى لا يهجوهم هجاءً يشمل النبي صلى الله عليه وسلم، فـ أبو بكر الصديق نسابة العرب تولى تعليم حسان في قضية الأنساب دقائق حتى قال: [أسلك كما تسل الشعرة من العجين] أي: يخلصه من بينهم بكلام لا يشمله، فيكون الهجاء لهم دونه، وهذا يحتاج إلى شيء من العلم بالأنساب، فإذا كان هناك حاجة له فيتعلم.
ثم إن تعلم بعض العلوم فرض كفاية، أي: إذا عرفها بعض الأمة فلا داعي أن يتعلم كل طالب علم، ونقول: لكل طالب علم: تعال وتعلم هذا العلم؛ لأن هذا خطأ أن كل طالب علم يضع في برنامجه وجدوله في طلب العلم أن يتعلم مثل هذا، بل يكفي أن يوجد في الأمة من يعلمه عند الحاجة ويدل عليه ويأتي بالمقصود.
كذلك مسألة التوسع في علم العربية لغةً ونحواً مما يُشغل عن العلم الأهم، وطرح هذا الكلام عند طلبة العلم ينبغي أن يُؤخذ بحجمه الصحيح، حتى لا ينفروا من اللغة العربية، مع أنهم من أضعف ما يكونون في اللغة العربية على مرَّ العصور إذا ما قورنت بالعصور السابقة، فما وصلنا إلى درجة أن عموم طلبة العلم قد أتقنوا اللغة العربية وبدءوا يتبحرون، وصرنا نخشى عليهم من التوسع والانشغال عن الأهم، وعن الفقه والحلال والحرام ونحو ذلك، فنقول لهم كفوا: لا.
لكن لا يوجد بعض الناس عندهم حب للغة العربية بحيث إنهم ينصرفون إلى تعلم دقائق هذه اللغة بما يصرفهم عن الأهم وتعلم الحلال والحرام والتفسير والحديث ومعاني السنة.
مثلاً: تجد دكتوراً نحوياً كبيراً لغوياً لكنه في الفقه والحديث والتفسير ضعيف، بسبب أنه انصرف بكليته إلى هذا العلم، ولذلك هذا علم يؤخذ منه بقدر ما يفهم به القرآن والسنة فقط.
ما هو المطلوب من اللغة العربية؟ المطلوب أن نفهم القرآن والسنة بواسطتها، ولذلك كره أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها، وأنكر على أبي عبيد توسعه في ذلك، وقال: "هو يشغل عما هو أهم منه"، وتجد في بعض الكتب كلاماً تقرأه بالطول وبالعرض، وبالزاوية وبالمقلوب، ما هذا؟! هذا النوع لا شك أنه مضيعة للوقت، فالذي فعل هذا، والذي يهتم به، والذي يريد أن يؤلف على منواله في أشياء قد يكون صرف عمره في شيء، ولكن ما هي الفائدة؟! قال: (ولهذا يُقال: إن العربية في الكلام كالملح في الطعام) أي: أنه يؤخذ منها ما يُصلح الكلام، فإذا زاد الملح في الطعام أفسده.