قال سعيد: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت.
أي: طلبت الرقية لأجل اللدغة، قال: فما حملك على ذلك؟ أي: ما السبب أنك استرقيت وطلبت الرقية؟ والألف والسين والتاء تفيد الطلب، مثل: استغفر طلب المغفرة، استرقى طلب الرقية قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت -أي: طلب الرقية- قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي إذاً: كان عند السلف محاورة للوصول إلى الحقيقة ومعرفة الحق، فـ سعيد بن جبير -رحمه الله- لم يقصد الانتقاد لهذا الرجل، بل قصد أن يستفهم منه ويعرف مستنده في طلب الرقية، لماذا طلب الرقية؟ وهذا فيه فائدة وهي طلب الحجة في المذهب، فإذا رأيت رأياً فإنك تطلب الحجة، إذا رأى شخص رأياً وتناقشت معه لك الحق أن تطلب الحجة على ما ذهب إليه، والآن سيأتي حصين بالدليل، قال: حديث حدثناه الشعبي والشعبي هو عامر بن شرحبيل الهمداني، المولود في خلافة عمر، وهو من ثقاة التابعين وحفاظهم وفقهائهم، مات سنة مائة وثلاث للهجرة، وهو شيخ حصين.
قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، وهو صحابي مشهور، مات سنة ثلاث وستين عن بريدة بن الحصيب أنه قال: (لا رقية إلا من عين أو حمة).
والرقية: هي القراءة على المريض أو المصاب وهي معروفة.
وظاهر هذا النص أن الحديث موقوف على الصحابي الذي هو بريدة، لكن الحديث قد جاء من رواية أحمد وأبي داود والترمذي عن عمران بن حصين به مرفوعاً، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات: (لا رقية إلا من عين أو حمة)، العين معروفة، وهي إصابة العائن لغيرة، والعائن حاسد، والحمة: سم العقرب، فمعنى هذا الحديث: لا رقية أولى من رقية العين والحمة، فـ حصين استند في طلب الرقية إلى هذا الحديث، وهو يدل على أن الرقية من العين أو الحمة مفيدة؛ فإن الرقى تنفع -بإذن الله- من العين ومن الحمة أيضاً، إذاً: أنفع ما تنفع الرقية في مسألة العين، وتنفع في اللدغة والشفاء من السم، وكثير من الناس يقرأ على الملدوغ فيبرأ حالاً.