ونحتاج كذلك إلى الاعتناء بقضية الترغيب والترهيب، وهذه مسألة في غاية الأهمية، لو قلت لبعض الشباب: ما هي سياستكم في دعوة الأهل؟ ماذا قلت لأهلك عن الدين؟ يقول: قلت لهم: التلفزيون حرام والدش حرام والأغاني حرام والتصوير حرام أو شيء من هذا القبيل، فهل هذا كل شيء؟ قال: وقلت لهم: إن هذه الحفلات التي فيها موسيقى وأغاني حرام، فهذا هو الذي قاله، أفلا كان الوعظ طريقاً للتأثير في الأهل قبل أن يسرد عليهم الأحكام في الحلال والحرام؟! لماذا لا نبدأ -يا إخواني- بقضية ذكر عظمة الله تعالى، وحق الله عزَّ وجلَّ واليوم الآخر والجزاء والحساب والجنة والنار والصراط والميزان والشفاعة والحوض، والقبر وفتنته وعذابه، وعند الموت والنزع، وكيف تنزع روح المؤمن، وكيف تنزع روح الكافر قبل أن نذكر لهم تحريم الأغاني وغيرها، حتى إذا جاءت الأحكام كان الطريق ممهداً، وكانت النفوس مستعدة للتلقي، فمشكلة الدعوة مع أهالينا، وهذا من الأخطاء التي نفعلها في الدعوة، أننا لا نمهد لأحكام الشريعة بالتمهيد الصحيح، ندخل مباشرة: هذا حلال، هذا حرام، هذا لا يجوز.
ولا نمهد لهذه الأحكام بترقيق القلوب، والترغيب والترهيب.
ولهذا الأحكام التي ذكرها ربنا في كتابه كيف ذكرها؟ هل قال: هذا حلال وهذا حرام وهذا حلال فقط أو أنه سبحانه وتعالى ذكر آيات كثيرة عن اليوم الآخر، وذكر آيات كثيرة عن عظمته وحقه عز وجل، ذكر آيات كثيرة في طاعته سبحانه وتعالى وتنفيذ أوامره والاستجابة له، ذكرنا بناره وبعذابه وببطشه ونقمته وقوته وجبروته سبحانه وتعالى، ثم بدأ بنداءات محببة قبل الأحكام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:104] {يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت:56] نداءات محببة تستجذب نفوس المؤمنين.
ثم بأي شيء ختم الآيات حتى التي فيها أحكام؟: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:196] ومرة يقول: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] ومرة يقول: {يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235] وهكذا من الأشياء التي تأتي في الآيات مما فيه موعظة، مما يدل على أن طريقة الشارع في تقرير الأحكام ليست التقرير المجرد عن الوعظ ولا التقرير المجرد عن فتح النفوس بالنداءات التي تمهد الطريق لقبول الحكم، وإذا كان عندنا فقه في الدعوة فلابد أن نعي هذه القضية، وإلا فسيكون عندنا قصور كبير في دعوة الأهل والناس عموماً.
عائشة رضي الله عنها بينت أن النبي عليه الصلاة والسلام ما قال للناس بداية: إن الخمر حرام، وإن الزنا حرام، وإن الربا حرام لا.
قبل هذا ذكرهم بأشياء كثيرة جداً، تلا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أموراً كثيرة عن عظمة الله واليوم الآخر.
أيها الإخوة إننا نحتاج -ونسأل الله أن يبارك في الجهود- إلى سلوك الطرق الصحيحة في دعوة الأهل؛ لأن الله قال: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} [التحريم:6] والسلف قالوا: علموهم، أدبوهم، وعظوهم هذا الكلام كله داخل فيه، نحن أحياناً يقول الواحد منا: أعطيتهم الكتب والأشرطة حسناً هذا عمل تؤجر عليه وعمل طيب وجزاك الله خيراً على هذا، لكن -يا أخي- المسألة تحتاج أحياناً إلى تحريك قلوبهم بكلام منك، وحسن الدعوة يكون بمناقشة هادئة، تذكير، تليين القلوب، ولذلك ينبغي علينا أن نحسن المدخل للقلوب.