ومن الأمور التي تصلح القلب: التذكر، لقد ذكرنا أن الورع يصلح القلب والزهد يصلح القلب، وفرعنا أشياء في الزهد والورع، وثالثاً: التذكر.
قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] والله عز وجل أنزل القرآن: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] والتذكر هذا لا يحصل إلا لصاحب القلب الحي، أي: من الذي يفكر في الآيات؟ الآن تسمعها في الصلاة وتسمعها في الإذاعة، والشريط، بعض الناس يتذكرون، فهذه الآيات تمر على قلبه فيفكر فيها فيلفت نظره وتستقطب تفكيره، ويمعن فيها التبصر والتفكير، وتهيمن على قلبه وتدخل شغاف قلبه، هذا إنسان تذكره يحيي قلبه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] عنده القلب يسمع وهو شهيد، فهو يتفاعل مع الآيات.
لقد بكى واحد من السلف مرة في آية وهي قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ففكر فيها أنه يوم القيامة هؤلاء العصاة تتضح لهم أشياء من رب العالمين ما كانت على بالهم ولم يكونوا يفكرون فيها: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فذنوبهم وجدوها كلها مسطرة واحدة واحدة، وما توقعوا أنها بكل هذه الدقة كل هذه الأشياء موجودة، فيأتي هذا العذاب مفاجئاً، ما كان على باله ولا كان في خاطره: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فبكى.
الشاهد أن الإنسان -أحياناً- تمر به آيات فيفكر فيها -مثلاً- ويربطها بالواقع، فينتج عنده في نفسه مشاعر كثيرة، ففي هذه الأزمة التي نمر بها، قد تأتي للواحد منا في باله الآيات والآيات، يفكر مثلاً: في قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} [الأنعام:129] وفعلاً نجد أنها تنطبق على الواقع بالضبط كما أخبر الله بهذه السنة الموجودة: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129].
والناس في مسألة التذكر أنواع، فمن فوائد الأزمة هذه أن الناس صاروا -والحمد لله- أنهم تعودوا على هذه الأشياء وعلى هذه المخاطر، فصارت المسألة معروفة، والواحد صار -كما ذكر أهل الفقه- قبل أن ينام يتشهد ويقرأ آية الكرسي والكافرون، فإذا جاء الموت فعلى التوحيد والحمد لله، وإذا سلمنا فخير، فهناك معانٍ كثيرة تجول في النفوس (اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك موتها وإحياها، إن أمسكتها فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا، وأنا أقول: إن دعاء المسلمين في المساجد وفي القنوت كان له أثر عظيم في الحفظ، فكم قلَّت خسائر وكم بعد شر، كان يمكن أن ينزل على رءوسنا، ولم تنفع بعض الأسباب الدنيوية فيه، كهذه الصواريخ والمضادات والأشياء ما نفعت، ما الذي نفع قولوا لي بالله؟ كيف يتخيل أن صاروخاً ينفجر في الجو لوحده هكذا؟ فهو ليس صناعة تايوانية، قد تجد -والله- دعاء شيخ وشايب في المسجد، بقوله: آمين، هو الذي جعل الله يحفظ البلاد والعباد، نعم، الدعاء من أسباب الحفظ.