ثم قال: (وسمع كلامه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه) لماذا يضربه الساحر؟ لأنه تأخر، هذا الضرب الذي تعرض له الغلام منذ البداية يدلنا على ماذا؟ يدلنا على أن الله عز وجل شاء لهذا الغلام أن يتربى على الابتلاء منذ صغره، الساحر يضرب الغلام؛ لأنه يسمع الحق، هذا ابتلاء يتربى هذا الغلام على الابتلاء منذ البداية، والشخصية المتكاملة هي التي يؤثر فيها الابتلاء تأثيرً إيجابياً، هذا الغلام تعرض للابتلاء في لحظات التكوين، وزمن التربية، وفترة النمو، يعني: منذ صغره تعرض للابتلاء، فصبر على هذا الابتلاء، فكانت النتيجة شخصية قوية ومؤثرة وفاعلة في الواقع، والابتلاء -أيها الإخوة- يناسب طبيعة الدين، الإسلام دين ابتلاءات؛ لأن الناس يفكرون الآن يقولون: نحن نريد إسلاماً سهلاً ما نتعرض فيه للإيذاء، ما نريد واحداً يسخر منا إذا طبقنا الإسلام، نريد ديناً إذا طبقناه لا نتعرض لمصائب ومشاكل، ومن قال: إن الإسلام دين الراحة؟ يقول الله عز وجل: {ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3] ما هي فائدة الابتلاء والفتن؟ إنها تمحيص: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] لو كان الدين مسألة سهلة بدون متاعب ولا مصائب ولا إيذاء ولا سخرية، ولا همز ولا غمز ولا سجن ولا ضرب ولا شيء، لدخل كل الناس في الدين، ما كان هناك أهل النار، وشطبت هذه النار، لكن لما صار هذا الدين فيه تمحيص وابتلاء وشدة، وفيه ضغط وواقع يضغط عليك، وفيه شهوات وأهواء تحاربك من كل جانب وأنت تصبر على هذه الابتلاءات، هنا تتميز الشخصيات، وهنا يرى الصادق من الكاذب.