وينبغي كذلك على من ابتلي بالرئاسة والتصدر أن يكون خاشعاً لله، متواضعاً لعباد الله، قال الذهبي رحمه الله عن الفضيل بن عياض: حاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحدٌ قط من أهل بلده، وما زاده ذلك -هذا الشاهد الآن، فالواحد يمكن أن يرشح ويصل إلى منصب، أو وظيفة، أو عمل، لكن ماذا عليه أن يفعل هذا الواصل؟ - قال: الذهبي عن الفضيل: حاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحدٌ قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعاً وخشيةً لله تعالى، وما زاده المنصب هذا إلا تواضعاً وخشيةً لله تعالى، فهكذا ينبغي أن يكون.
وبعد هذا العرض لهذا المرض في بعض مظاهره وأسبابه وآثاره وعلاجه، قد يطرح سؤالٌ ويثار وهو: لماذا طلب يوسف عليه السلام المنصب؟ وقال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف:55]؟ وهل ينافي هذا ما تقدم ذكره من قضية ترك السعي إلى هذه المطامح؟ وما معنى قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]؟ قال العلماء في هذه الآية {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] أي: واجعلنا أئمة يقتدى بنا من بعدنا، اجعلنا على درجة من العمل الصالح والخير حتى نكون قدوة للناس بأعمالنا، يكون واقعنا قدوة، يجذب الناس إلى الإسلام، ونكون نحن منارات لغيرنا، فهم لا يقولون للناس: يا أيها الناس! هلمُوا إلينا، يا أيها الناس! قلدونا، يا أيها الناس! اعملوا مثلنا، يا أيها الناس! انظروا إلينا، لا.
وإنما يطلبون من الله، وليس من الناس: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] أئمة في الخير يقتدى بنا من بعدنا، وأنتم لا يخفى عليكم -أيها الإخوة- أن الذي يَسنُ سنةً حسنةً، يكون له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، وإذا اقتدى الإنسان بإنسان آخر في الخير، فيكون للمقتدى به من الأجر مثل المقتدي من غير أن ينقص من أجر المقتدي شيء.
فهذا مطلب عظيم أن الإنسان يدعو الله أن يجعله من أئمة المتقين، يعني: يطلب من الله أن يجعل له باباً من أبواب الأجر، وهو أن يكون هو على خيرٍ فيقتدي به الناس، وليس أن يرائي ويتمظهر، وأنه يقول للناس: انظروا إلي، تشبهوا بي، لا.
بل يخلص في نفسه لله، والله يقيض من الناس من يشعر به وينظر إليه ويقتدي بفعله، الله الذي يقيض، وليس هو الذي يقول: يا أيها الناس! تعالوا وانظروا إلى حالي وامشوا ورائي.