إن من الأسباب التي تحمل الشخص أحياناً على رفض الحق تقليد القدماء من الآباء والأجداد، فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] هذا التصميم على تقليد الأسلاف، تقليد القدماء، تقليد الآباء، قال: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف:24] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170].
إذاً بعض الناس لا يُقدّرون، ولا يميزون، ولا يمحصون، فمجرد أن الآباء فعلوا هذا فهم يفعلون مثلهم، وقد يكون الآباء فطرتهم منتكسة، أو على ضلالة، أو قد يكونوا مشركين، أو لم يستخدموا عقولهم في الوصول إلى الحق، أو لم يتفكروا، لكن الأمور عند هؤلاء غير مهمة، المهم هو اتباع الآباء.
وعدم الاهتمام بصفات المتبوع من البلايا التي ابتلي بها الكثيرون في هذه الأيام، المهم هو الشخص، وليس المهم صفات الشخص، هذه من الآفات العظيمة.
وقد رد قوم إبراهيم على نبيهم لما جادلهم وناقشهم: لماذا تعبدون غير الله؟ لماذا تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم شيئاً؟ كان جوابهم: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:74] هذا هو الدليل، هذا هو المستند والمتكأ الذي يتكئون عليه، وقالوا: وجدنا آباءنا لها عابدين، فمجرد أنهم وجدوا الآباء يعبدون، فقد اعتبروه مستنداً في قضية رفض ما أتى به إبراهيم، والإصرار على ما هم عليه من الباطل.
وقد يرفض بعضهم الحق لأنه لم يسمع به في الأولين، ولأنه قد فوجئ به الآن، فهو جديد عليه: {مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [القصص:36] ومن هذا القبيل ما يفعله اليوم بعض كبار السن، إذا رأوا رجلاً حديث السن يعمل أمراً من الأمور، فإنهم يقولون له: أنت أتيت بدين جديد، ونحن قد عشنا سنوات طويلة ورأينا آباءنا وأجدادنا فما كانوا يعملون هذا العمل: {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [القصص:36] وعليه فأنت مخطئ، وأنت وأنت وهكذا يسفهون رأيه، وقد يكون هو عين الصواب، وهو الواضح بالأدلة، ولكن: {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [القصص:36].