والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتلافى المعوج من أخلاق الناس بكرمه، كما روى البخاري رحمه الله عن عبد الله بن أبي مليكة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهديت إليه أقبية من ديباج مزررة بالذهب، فقسمها في ناس من أصحابه وعزل منها قباءً لـ مخرمة بن نوفل، فجاء ومعه المسور بن مخرمة، فقام على الباب فقال: ادعه لي، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فأخذ قباءً منها كان عليه، فتلقاه به واستقبله بأزراره فقال: يا أبا المسور! خبأت هذا لك، يا أبا المسور!) وكان أبو المسور في خلقة شدة، فكان عليه الصلاة والسلام يتلافى بحسن خلقه شدة أخلاق الناس، والأخلاق الحسنة تغطي على الأخلاق الرديئة، ولذلك وجه النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج إلى النظر إلى الناحية الإيجابية من أخلاق الزوجات فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك -يعني: لا يكره- مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم.
ومن أسباب تجاوز الله عن العبد يوم القيامة حسن الخلق، فإن حذيفة رضي الله عنه قال: (أُتي الله بعبدٍ من عباده آتاه الله مالاً فقال: ماذا عملت في الدنيا قال: يا رب آتيتني مالاً فكنت أتجاوز على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي) فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم.
وحسن الخلق هو الذي لفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم إذا تقدم إليك من يخطب ابنتك فقال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) وفي رواية: (خلقهُ ودينه) فهذا هو الشيء الذي ينظر منه إلى الخاطب.
وحكمة الله البالغة اقتضت أن يجعل في البشر أخلاقاً عالية، وكذلك أخلاقاً سافلة، وعند المقارنة يظهر حسن هذا وقبح ذاك؛ لأن الضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تعرف الأشياء، فلولا الظلام ما عرفت فضيلة النور، ولولا أنواع البلايا ما عرفت قيمة العافية، ولولا خلق الشياطين والهوى والنفس الأمارة بالسوء لما حصلت عبودية الصبر والمجاهدة وترتب الأجر والجنة عليهما.
إذاً: عندنا محاسن الأخلاق ومساوئ الأخلاق، فإذا قلت: محاسن الأخلاق مثل: الصدق، والأمانة، والوفاء، والإيثار، والكرم، والعفة، وكظم الغيظ، والتواضع، والإخلاص، والعدل، وغير ذلك؛ فإنك إذا قارنتها بغيرها تتبين جمال هذه الأخلاق، وضدها مثل: الكذب، والنفاق، والغدر، والخيانة، والبخل، والرياء، والكبر، والعجب، والمفاخرة، والحسد، والطمع، والحقد، والظلم، وغير ذلك من الأخلاق.
وكما أن حسن الخلق منجاة ونجاح، فسوء الخلق ضياع ودمار، ولا بد إذاً من الالتزام والتمسك بهذه الأخلاق الحسنة.